उस्मान इब्न अफ्फान: खिलाफत और राज्य के बीच
عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك
शैलियों
على أن عمر وعثمان كانا أقرب إلى الاتفاق في أكثر الأمور، كما أن عثمان لم يكن أكثر من غيره من كبار الصحابة مخالفة لرأي عمر أو اتفاقا معه. وقد رأيت كثيرين عارضوا فتح مصر كما عارضه عثمان. والذين أيدوا عثمان في هذه المعارضة خالفوه في مواقف أخرى؛ ذلك بأن هؤلاء الذين صحبوا رسول الله كانوا جميعا يبتغون بالرأي مصلحة الإسلام والمسلمين. مخلصين يريدون وجه الله ، يرجون رضاه ويخشون غضبه.
وكانوا يؤمنون بأن التمسك بالحق ما اقتنع المرء به أول واجب على من حسن إسلامه، وأن الرجوع إلى الحق متى بدا وجهه لا يصح أن يصد عنه تعصب أو غرور. فإذا أصر المرء على باطل بعد اقتناعه ببطلانه أتى منكرا يلعن الله صاحبه وينزل به غضبه. وكيف لمؤمن بالحق أن يحيد عن الحق أو أن يكتمه، فمن كتم الحق أو سكت عنه فهو شيطان أخرس.
كان عثمان عزيزا على عمر حبيبا له طول خلافته. فما طعن عمر عين الشورى ثم بايع الناس عثمان. قيل إنه لما تمت بيعته صعد المنبر يخطب الناس فأرتج عليه، فقال: «أيها الناس. إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، فإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها. وما كنا خطباء وسيعلمنا الله.» وقيل: بل خطب عثمان الناس حين تمت بيعته، فقال: «أيها الناس إنكم في دار قلقة وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه. فلقد أتيتم، صبحتم أو مسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا يغرنكم بالله الغرور. اعتبروا بمن مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها وتمتعوا بها طويلا. ألم تلفظهم؟ أرموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلا بالذي هو خير، فقال - عز وجل:
واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا * المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا .»
2
يثبت ابن كثير هذه الخطبة ويفند قول الذين قالوا: إن عثمان أرتج عليه، ويرى أن ما ذكروه لا سند له. وابن كثير مبالغ في هذا القول. فقد أثبت ابن سعد في الطبقات مقال عثمان حين أرتج عليه وذكر سنده. وأنا أشد ميلا لترجيح رواية ابن سعد وللشك في هذه الخطبة المنبرية التي أثبتها ابن كثير والطبري وغيرهما. فطبيعي أن يشغل عثمان بما كان أيام الشورى عن تهيئة خطاب يلقيه على الناس إثر بيعته. وطبيعي أن يقول لهم: إن بعد اليوم أياما، وإن الخطبة ستأتيهم من بعد على وجهها. وقد أثبت الطبري وابن كثير أن أول تصرف كان لعثمان بعد بيعته أنه زاد في عطاء الناس على ما كان عليه أيام عمر. فكيف تتفق زيادة العطاء وخطبته كلها تزهيد في الدنيا وترغيب عن المتاع بها!
أيا ما يكون الأمر فالخطبتان لا تصف أيهما ما كان يدور بخاطر عثمان من سياسة الغد. وأكبر الظن أنه لم يكن بعد قد رسم سياسة واضحة الحدود كما فعل أبو بكر حين عزم قتال أهل الردة، وكما فعل عمر حين أمر برد السبي من العرب إلى عشائرهم، وحين أمر بإجلاء نصارى نجران عن ديارهم، وحين انتدب الناس للذهاب إلى العراق مددا للمثنى. ولعل ما كان بين عمر وعثمان من اختلاف في المزاج بين الشدة واللين هو الذي استأنى عثمان فلم يرسم هذه السياسة.
على أن أمرا واجهه أول ما بويع لم يكن له بد من الفصل فيه. وذلك أمر عبيد الله بن عمر بن الخطاب. فقد اقتنع عبيد الله بأن مقتل أبيه لم يكن جريمة فردية ارتكبها أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة من تلقاء نفسه، بل كان نتيجة لمؤامرة اشترك فيها الهرمزان الفارسي وجفينة أحد نصارى الحيرة. وكان اقتناعه بذلك عن بينة. فقد شهد عبد الرحمن بن عوف أنه رأى السكين التي طعن بها عمر مع الهرمزان وجفينة عشية الحادث الذي روع المسلمين، وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: «قد مررت على أبي لؤلؤة قاتل عمر ومعه الهرمزان وجفينة وهم نجي فلما بغتهم ثاروا، فسقط من بينهم خنجر له رأسان ونصاب في وسطه، فانظروا ما الخنجر الذي قتل به عمر.» ونظر الناس فوجوده الخنجر الذي وصف عبد الرحمن بن أبي بكر. عند ذلك ثار ثائر عبيد الله فتقلد سيفه، ثم بدأ بالهرمزان وجفينة فقتلهما، وانطلق إلى دار فيروز فقتل ابنة له صغيرة تدعي الإسلام.
حدث هذا قبل أن يبايع عثمان وثار له الناس، وتوعدوا عبيد الله وحبسوه. فلما بويع عثمان لم يكن له من القضاء في أمر عبيد الله بد. يذكر الطبري رواية عن شعيب عن سيف عن أبي منصور أنه قال: «سمعت القماذيان يحدث عن قتل أبيه - الهرمزان - قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمر فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه، وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال: أبس به، فرآه رجل؛ فلما أصيب عمر قال: رأيت هذا الخنجر مع الهرمزان دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله؛ فلما ولى عثمان دعاني فأمكنني منه - أي: من عبيد الله بن عمر - ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به منا فاذهب فاقتله؛ فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي إلا أنهم يطلبون إلي فيه. فقلت لهم: ألي قتله؟ قالوا: نعم. وسبوا عبيد الله. فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا، وسبوه. فتركته لله ولهم، فاحتملوني، فوالله ما بلغت المنزل إلا على رءوس الرجال وأكفهم.»
هذه رواية الطبري. وهي تجعل العفو عن عبيد الله من عمل القماذيان بن الهرمزان. وهذا قول يخالف المشهور، فأكثر الرواة يذكرون أن عثمان جلس بعد بيعته إلى جانب المسجد، فجيء بعبيد الله بن عمر من محبسه ليحاكمه، فلما مثل بين يديه قال عثمان للحاضرين: «أشيروا علي في هذا الذي قتل في الإسلام ما قتل.» وأجابه علي بن أبي طالب: «ما من العدل تركه، وأرى أن تقتله.»
अज्ञात पृष्ठ