وهذا ما يمنعني عن أن أحتقر زوجك أو أدينه؛ إلا أنني أتكلم فقط عن حادث وقع، وهو أن بطرس قد هرب هذا المساء ... وتريننا نجتهد في إخفاء الأمر عن الشركة، ونسعى لاكتشاف مقر زوجك وإعادته إلى وظيفته؛ ولكن نحتاج إلى إشارة منك ...
واستطرد الرئيس قائلا: أجل، فأطلعينا على حالة زوجك في الأيام الأخيرة، ومن كان يعاشر في جونية. لقد قال لي رفيقه في المكتب: إنه كان يكتب رسائل عديدة. أكان يحب أولاده؟ أكان يهتم بهم؟ - أجل، كان يذهب إلى جونية وكان يحب أولاده، إلا أنه لم يكن يقبلهم لقذارة ثيابهم. ثم إنه كان لا يجد شيئا في البيت يتفق مع ذوقه، وكنت لا أقوم بعمل يرضيه فيغضب علي ويشتمني، كان يعتبر كل ما يلذ لي جريمة فيأخذ علي قراءتي الروايات وانهماكي في التطريز.
أما أغنياته الدائمة فكانت: ما هذا الخلل في البيت؟ ... ما هذا الإفراط في المعيشة؟ ... ما هذا التهاون؟ ...
وكنت قد تعودت احتداده وغيظه فلم أكترث لشتائمه مهما كانت شديدة! آه! ما كنت أدري يوم ذاك أنه أصبح يميل شيئا فشيئا عن تعلقه بي وبولديه، وأنه يبحث عما يسليه بيته ويبغضه عائلته!
ولكن لا أصدق ذلك، فالذي ينهج هذا المنهج يجب أن يعدم حاسة الشرف والضمير! إنني أعرف زوجي حق المعرفة، فهو لا يرتكب فظاعة كهذه! ويتركني عرضة للمصائب مع ولدي الصغيرين! ...
قالت ذلك وانطرحت على مقعد من جلد أخضر قربه إليها رئيس المحطة، واستسلمت للبكاء والشهيق فجعلوا يلاطفونها ويهدئون روعها، إلا أنها لم تتعود في حياتها أن تسطو على تأثراتها وتدفع المصائب بروح صلبة ورباطة جأش، فأخذت يداها تضطربان اضطرابا شديدا واهتز جسدها من قمته إلى قدميه، فخشي الحاضرون أن يصيبها نوبة عصبية فحملوها إلى منزلها حيث بقيت جاراتها ساهرات أمام سريرها طيلة الليل.
في أثناء ذلك تفقد الرئيس ونجيب دفاتر بطرس وأوراقه فثبت لهما أنه صحب معه مبلغ أربع مئة وستين فرنكا كانت في صندوقه، فقال الرئيس: ليس في الأمر فرار فقط بل سرقة! ... فأنا مضطر إلى التصريح بها أمام الشركة! مسكينة هذه المرأة ، فسيلحق بها وبولديها عار عظيم فوق أحزانها وتعاستها ...
في تلك الآونة كان فارس واقفا لا يتكلم إلا بما يراه مفيدا فعندما سمع كلام الرئيس قال: ألا ترى أن في أكياس العمال ما يضارع مبلغ أربعمئة وستين فرنكا؟ وأننا نعدم الشعور إذا لم نجتهد في جمعها لإنقاذ شرف هذه العائلة المسكينة؟
فقال نجيب: لقد كان بطرس التعس رفيقا لنا؛ ففكرتك جميلة يا فارس وشريفة، وسأقوم بجمع الجبوة بنفسي.
فقال الرئيس وقد اغرورقت عيناه بالدموع: إن من العزاء أن يصادف الإنسان في طريقه قلوبا شريفة كقلوبكم يا أصدقائي! أجل لقد أصبتم! فلنعطف على البؤساء؛ ولننحن فوق المصيبة بعاطفة ملؤها الاحترام. قم بجمع الجبوة يا نجيب، والذي تحتاجون إليه لاكتمال المبلغ يدفعه لكم رئيسكم القديم ...
अज्ञात पृष्ठ