कुम्दत क़ारी
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
प्रकाशक
شركة من العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية
शैलियों
हदीस विज्ञान
لَهُ كَفَّارَة. قلت: أَو يكون مَخْصُوصًا بالاجماع. أَو لفظ ذَلِك إِشَارَة إِلَى غير الشّرك بِقَرِينَة السّتْر، فَإِنَّهُ يَسْتَقِيم فِي الْأَفْعَال الَّتِي يُمكن إظهارها واخفاؤها. وَأما الشّرك. أَي: الْكفْر، فَهُوَ من الْأُمُور الْبَاطِنَة، فَإِنَّهُ ضد الْإِيمَان وَهُوَ التَّصْدِيق القلبي على الْأَصَح. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: قَالُوا: المُرَاد مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ خَاصَّة لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قَوْله: (فَمن وفى)، وَهُوَ خَاص بهم لقَوْله: (مِنْكُم) . تَقْدِيره: وَمن أصَاب مِنْكُم أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ من ذَلِك شَيْئا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا أَي أقيم الْحَد عَلَيْهِ، لم يكن لَهُ عُقُوبَة لأجل ذَلِك الْقيام، وَهُوَ ضَعِيف، لِأَن الْفَاء فِي: فَمن، لترتب مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا، وَالضَّمِير فِي: مِنْكُم، للعصابة الْمَعْهُودَة، فَكيف يخصص الشّرك بِالْغَيْر؟ فَالصَّحِيح أَن المُرَاد بالشرك الرِّيَاء لِأَنَّهُ الشّرك الْخَفي قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا﴾ (الْكَهْف: ١١٠) وَيدل عَلَيْهِ تنكير شَيْئا، أَي: شركا أيًا مَا كَانَ، وَفِيه نظر، لِأَن عرف الشَّارِع يَقْتَضِي أَن لَفْظَة: الشّرك، عِنْد الْإِطْلَاق تحمل على مُقَابل التَّوْحِيد، سِيمَا فِي أَوَائِل الْبعْثَة وَكَثْرَة عَبدة الْأَصْنَام، وَأَيْضًا عقيب الْإِصَابَة بالعقوبة فِي الدُّنْيَا، والرياء لَا عُقُوبَة فِيهِ. فَتبين أَن المُرَاد الشّرك، وَأَنه مَخْصُوص.
وَقَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه عبد الْوَاحِد السفاقسي فِي (شَرحه للْبُخَارِيّ) فِي قَوْله: (فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا) يُرِيد بِهِ الْقطع فِي السّرقَة، وَالْحَد فِي الزِّنَا. وَأما قتل الْوَلَد فَلَيْسَ لَهُ عُقُوبَة مَعْلُومَة، إلاَّ أَن يُرِيد قتل النَّفس، فكنى بالأولاد عَنهُ، وعَلى هَذَا إِذا قتل الْقَاتِل كَانَ كَفَّارَة لَهُ. وَحكي عَن القَاضِي إِسْمَاعِيل وَغَيره: أَن قتل الْقَاتِل حد وإرداع لغيره، وَأما فِي الْآخِرَة فالطلب للمقتول قَائِم لِأَنَّهُ لم يصل إِلَيْهِ حق، وَقيل: يبْقى لَهُ حق التشفي. قلت: وَردت أَحَادِيث تدل صَرِيحًا أَن حق الْمَقْتُول يصل إِلَيْهِ بقتل الْقَاتِل. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن حبَان وَصَححهُ: (أَن السَّيْف محاء للخطايا) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود ﵁، قَالَ: (إِذا جَاءَ الْقَتْل محى كل شَيْء)، وَرُوِيَ عَن الْحسن بن عَليّ ﵄، نَحوه. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَزَّار عَن عَائِشَة ﵂، مَرْفُوعا: (لَا يمر الْقَتْل بذنب إلاَّ محاه)، وَقَوله: إِن قتل الْقَاتِل حد وإرداع. الخ فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لم يجز الْعَفو عَن الْقَاتِل. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: ذهب أَكثر الْعلمَاء إِلَى الْحُدُود كَفَّارَة لهَذَا الحَدِيث، وَمِنْهُم من وقف لحَدِيث أبي هُرَيْرَة ﵁، أَنه ﵇ قَالَ: (لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة لأَهْلهَا أم لَا) لَكِن حَدِيث عبَادَة أصح، إِسْنَادًا، وَيُمكن، يَعْنِي على طَرِيق الْجمع بَينهمَا، أَن يكون حَدِيث أبي هُرَيْرَة ورد أَولا قبل أَن يعلم، ثمَّ أعلمهُ الله تَعَالَى آخرا.
وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين: وَاحْتج من وفْق بقوله تَعَالَى: ﴿ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم﴾ (الْمَائِدَة: ٣٣) لَكِن من قَالَ: إِن الْآيَة فِي الْكَفَّارَة فَلَا حجَّة فِيهَا. وَأَيْضًا، يُمكن أَن يكون حَدِيث عبَادَة مُخَصّصا لعُمُوم الْآيَة، أَو مُبينًا أَو مُفَسرًا لَهَا. فَإِن قيل: حَدِيث عبَادَة هَذَا كَانَ بِمَكَّة لَيْلَة الْعقبَة لما بَايع الْأَنْصَار رَسُول الله ﷺ الْبيعَة الأولى بمنى، وَأَبُو هُرَيْرَة إِنَّمَا أسلم بعد ذَلِك بِسبع سِنِين عَام خَيْبَر، فَكيف يكون حَدِيثه مُتَقَدما؟ قيل: يُمكن أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة مَا سَمعه من النَّبِي ﷺ وَإِنَّمَا سَمعه من صَحَابِيّ آخر كَانَ سَمعه من النَّبِي ﷺ قَدِيما وَلم يسمع من النَّبِي ﷺ بعد ذَلِك: إِن الْحُدُود كَفَّارَة، كَمَا سَمعه عبَادَة، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ تعسف ويبطله أَن أَبَا هُرَيْرَة ﵁، صرح بِسَمَاعِهِ، وَأَن الْحُدُود لم تكن نزلت إِذْ ذَاك، وَالْحق عِنْدِي أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة صَحِيح، وَهُوَ سَابق على حَدِيث عبَادَة والمبايعة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث عبَادَة على الصّفة الْمَذْكُورَة، لم تقع لَيْلَة الْعقبَة، وَإِنَّمَا نَص بيعَة الْعقبَة مَا ذكره ابْن إِسْحَاق وَغَيره من أهل الْمَغَازِي: أَن النَّبِي ﷺ قَالَ لمن حضر من الْأَنْصَار أُبَايِعكُم على أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ نساءكم وأبناءكم، فَبَايعُوهُ على ذَلِك، وعَلى أَن يرحل إِلَيْهِم هُوَ وَأَصْحَابه، ثمَّ صدرت مبايعات أُخْرَى: مِنْهَا هَذِه الْبيعَة، وَإِنَّمَا وَقعت بعد فتح مَكَّة بعد أَن نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الممتحنة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك﴾ (الممتحنة: ١٢) ونزول هَذِه الْآيَة مُتَأَخّر بعد قصَّة الْحُدَيْبِيَة بِلَا خلاف، وَالدَّلِيل على ذَلِك عِنْد البُخَارِيّ، فِي كتاب الْحُدُود، من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث عبَادَة هَذَا: أَن النَّبِي ﷺ لما بايعهم قَرَأَ الْآيَة كلهَا، وَعِنْده فِي تَفْسِير الممتحنة من هَذَا الْوَجْه قَالَ: قَرَأَ آيَة النِّسَاء. وَلمُسلم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ: قَالَ فَتلا علينا آيَة النِّسَاء أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا، وللنسائي، من طَرِيق الْحَارِث بن فُضَيْل عَن الزُّهْرِيّ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ: (أَلا تبايعونني على مَا بَايع عَلَيْهِ النِّسَاء: أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا)؟ الحَدِيث. وللطبراني من وَجه آخر عَن الزُّهْرِيّ بِهَذَا السَّنَد: (بَايعنَا رَسُول الله ﷺ على مَا بَايع عَلَيْهِ النِّسَاء يَوْم فتح مَكَّة)، وَلمُسلم من طَرِيق أبي الْأَشْعَث عَن عبَادَة فِي هَذَا الحَدِيث: (أَخذ علينا رَسُول الله ﷺ كَمَا
1 / 157