أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مالك.
_________
= لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال فيه؛ إذ يتعسر الاحتراز من ذلك، وخص أصحابه ذلك بالسفن الصغار، وأما الكبار التي يمكنهن فيهن الاستتار بأماكن تخصهن فلا حرج فيه. وفي الحديث: جواز تمني الشهادة، وأن من يموت غازيًا يلحق بمن يقتل في الغزو، كذا قال ابن عبد البر وهو ظاهر القصة؛ لكن لا يلزم من الاستواء في أصل الفضل الاستواء في الدرجات، وقد ذكرت في "باب الشهداء" من كتاب الجهاد كثيرًا ممن يطلق عليه شهيد وإن لم يقتل.
وفيه مشروعية القائلة لما فيه من الإعانة على قيام الليل، وجواز إخراج ما يؤذي البدن من قمل ونحوه عنه، ومشروعية الجهاد مع كل إمام لتضمنه الثناء على مَن غزا مدينة قيصر، وكان أمير تلك الغزوة يزيد بن معاوية ويزيد يزيد، وثبوت فضل الغازي إذا صلحت نيته.
وقال بعض الشراح: فيه فضل المجاهدين إلى يوم القيامة؛ لقوله فيه: "ولست من الآخرين"، ولا نهاية للآخرين إلى يوم القيامة. والذي يظهر أن المراد بالآخرين في الحديث الفرقة الثانية، نعم يأخذ منه فضل المجاهدين في الجملة لا خصوص الفضل الوارد في حق المذكورين.
وفيه ضروب من أخبار النبي ﷺ بما سيقع فوقع كما قال، وذلك معدود من علامات نبوته؛ منها: إعلامه ببقاء أمته بعده وأن فيهم أصحاب قوة وشوكة ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية.
وفيه جواز الفرح بما يحدث من النعم، والضحك عند حصول السرور لضحكه ﷺ إعجابًا بما رأى من امتثال أمته أمره لهم بجهاد العدو، وما أثابهم الله تعالى على ذلك، وما ورد في بعض طرقه بلفظ التعجب محمول على ذلك.
وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة، وجواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك، وإباحة ما قدمته المرأة للضيف من مال زوجها؛ لأن الأغلب أن الذي في بيت المرأة من مال الرجل، كذا قال ابن بطال؛ قال: وفيه أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أنه يسر صاحبه ما يفعله من ذلك جاز له فعله، ولا شك أن عبادة كان يسره أكل رسول الله ﷺ مما قدمته امرأته ولو كان بغير إذن خاص منه. وتعقبه القرطبي بأن عبادة حينئذ لم يكن زوجها كما تقدم. قلت: لكن ليس في الحديث ما ينفي أنها كانت حينئذ ذات زوج، إلا أن في كلام ابن سعد ما يقتضي أنها كانت حينئذ عزبًا.
وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه، وقد أشكل هذا على جماعة؛ فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله ﷺ أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة؛ فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزين قال: إنما استجاز رسول الله ﷺ أن تفلي أم حرام رأسه؛ لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته؛ لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار. ومن طريق يونس بن عبد الأعلى قال: قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات النبي ﷺ من الرضاعة؛ فلذلك كان يقيل عندها ينام في حجرها وتفلي رأسه. قال ابن عبد البر: وأيهما كان فهي محرم له.
وجزم أبو القاسم بن الجوهري والداودي والمهلب فيما حكاه ابن بطال عنه بما قال ابن وهب قال: وقال غيره: إنما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب =
1 / 56