Criterion Between the Allies of the Merciful and the Allies of the Devil 1
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
शैलियों
عموم رسالة النبي ﷺ لجميع الثقلين
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومما يجب أن يعلم أن الله بعث محمدًا ﷺ إلى جميع الإنس والجن، فلم يبق إنسي ولا جني إلا وجب عليه الإيمان بمحمد ﵌ واتباعه، فعليه أن يصدقه فيما أخبر ويطيعه فيما أمر، ومن قامت عليه الحجة برسالته فلم يؤمن به فهو كافر سواء كان إنسيًا أو جنيًا].
هذا أمر مجمع عليه بين المسلمين، أن من بلغه خبره ﷺ، وبلغته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولم يؤمن بذلك عنادًا أو جهلًا، بأن قلد ما عليه قومه وصدق ما يزعمون في حق النبي ﵌ من التكذيب والبهتان فهو كافر؛ لقوله ﵊: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا أدخله الله النار).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومحمد ﷺ مبعوث إلى الثقلين باتفاق المسلمين، وقد استمعت الجن للقرآن وولوا إلى قومهم منذرين، لما كان النبي ﵌ يصلي بأصحابه ببطن نخلة لما رجع من الطائف، وأخبره الله بذلك في القرآن بقوله: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأحقاف:٢٩ - ٣٢]].
فرسول ﷺ قد دعا الجن إلى الله، لذلك قالوا: «أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ».
إذًا: يجب على الجن أن يؤمنوا بالرسول ﷺ.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأنزل الله تعالى بعد ذلك: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا﴾ [الجن:١ - ٣]- «تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا» أي: عظمة ربنا- ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن:٤ - ٦].
أي: السفيه منا في أظهر أقوال العلماء].
قوله: «كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ» بسفهاء منهم ومبطلين «فَزَادُوهُمْ رَهَقًا» إلعابًا وخوفًا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال غير واحد من السلف: كان الرجل من الإنس إذا نزل بالوادي قال: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فلما استغاثت الإنس بالجن ازدادت الجن طغيانًا وكفرًا كما قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ [الجن:٦ - ٨] في الآية قولان: الأول: أنهم كانوا يعوذون برجال من الجن، أي: رجال جنيون كانوا يعوذون بهم من شر سفهائهم.
الثاني: أنهم كانوا يعوذون برجال، مثل: الكهان وأمثالهم من شر الجن، وهنا إذا عذت به من كذا فهذا تفسير، آخر لكن سبب نزول الآية التي ذكرها السلف يقتضي أنهم كانوا يعوذون برجال جنيين من شر رجالهم السفهاء.
وقال تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ [الجن:٧] أي: أن كفار الجن ظنوا أيضًا بعدم البعث كما ظن كفار الإنس.
وقال تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾ [الجن:٨] والحرس الشديد من الملائكة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكانت الشياطين ترمى بالشهب قبل أن ينزل القرآن، لكن كانوا أحيانًا يسترقون السمع قبل أن يصل الشهاب إلى أحدهم، فلما بعث محمد ﷺ ملئت السماء حرسًا شديدًا وشهبًا وصارت الشهب مرصدة لهم قبل أن يسمعوا، كما قالوا: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾ [الجن:٩]]-فأصبحوا بعد نزول القرآن ممنوعين من أصل الاستماع، ومن أصل الجلوس لكي يستمعوا، وكانوا ينتظرون لعلهم يسمعون شيئًا فمنعوا من أصل الجلوس-[وقال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء:٢١٠ - ٢١٢]].
فأصبحوا معزولين بالكلية فلا يسمعون كلمة، وهذا حماية للقرآن العظيم من أن يتنزل به على كاهن، أو أن يسمع شيئًا منه كاهن فيلبس على الناس، وهل استمر الأمر بعد انقطاع الوحي كذلك؟ نعم استمر الأمر كذلك؛ لأن القرآن جاء بإبطال الكهانة، وأنه لا يعلم الغيب إلا الله، فحكم القرآن باق، فلذلك ظل الأمر كما كان منذ نزل القرآن؛ لأن حكم القرآن وشريعة القرآن باقية على الدوام.
[وقالوا: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن:١٠]] وهذا من حسن الأدب حيث نسبوا الشر إلى المجهول، «أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ»، وأما الخير فنسبوه إلى الله: «أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا» وهذا كقول إبراهيم: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء:٨٠]، فالشفاء نسبه إلى الله، والمرض نسبه إلى نفسه، وهذا تأدب، وإلا فالخير والشر خلق من الله ﷾، ولذا نقول: كل من عند الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قالوا: ﴿وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن:١٠ - ١١] أي: على مذاهب شتى، كما قال العلماء: منهم المسلم والمشرك واليهودي والنصراني والسني والبدعي].
يعني: أن الجن أيضًا كانوا وما زالوا على مذاهب متعددة، منهم رافضة، ومنهم باطنية، ومنهم زنادقة ومنهم علمانيون، ومنهم مسلمون، ومنهم كفرة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن:١٢] أخبروا أنهم لا يعجزونه لا إن أقاموا في الأرض ولا إن هربوا منه]-ثم أيقنوا بذلك، وهذا قول المؤمنين منهم-[﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن:١٣ - ١٤] أي: الظالمون، يقال: أقسط إذا عدل، وقسط: إذا جار ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا * وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن:١٤ - ١٧]-فالله ﷿ يبتلي الناس بالخير والشر، ويبتليهم بالرزق ليشكروا أو يكفروا- ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن:١٧].
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن:١٨]-من إنس، ولا جن، ولا ولي، ولا نبي، ولا ملك، ولا أحد، فلا يدعى مع الله أحد- ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن:١٩].
﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا﴾ [الجن:٢٠ - ٢١]] وهذا بيان للتوحيد، وحقيقة عبودية الرسول ﷺ لله ﷿، وأنه لا يملك ضرًا ولا رشدًا لأحد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن:٢٢]] أي: ملجأً ومعاذًا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [﴿إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ﴾ [الجن:٢٣]] أي: لكن بلاغًا من الله ورسالاته، أو يمكن أن تقول: هذا استثناء متصل بمعنى: لن يجيرني من الله أحد إلا أن أبلغ رسالات ربي، فهذا هو الذي يجيرني من عذاب الله، فلن أجد من دونه ملجأً إلا أن أبلغ رسالات الله ﷾، فهذا الذي ألجأ به وأعوذ بالله منه ﷾.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن:٢٣]] والمقصود بها: معصية الكفر والعياذ با
10 / 2