Contracts Added to Their Kind
العقود المضافة إلى مثلها
प्रकाशक
دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٣٤هـ - ٢٠١٣ م
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أمابعد
فإن الشيخ الأخ عبد الله بن عمر بن طاهر أحد من أكثر القراءة عليّ في فنون مختلفة، ما يقارب العشر سنوات، وقد درسته في ثلاث مستويات، في كلية الشريعة، كما درسته في المعهد العالي للقضاء، كما تدارست معه في المسجد في عدد من المتون، كفتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة، وقواعد ابن رجب، وغيرهما، وقد عرفت عنه عددًا من الصفات الجميلة، من أهمها: حرصه الشديد على التعلم والتعليم، وجودة فهمه، وحسن معتقده وخلقه وسؤاله وأدبه وسمته، كما أشرف على طبع شرحي على المنظومة السعدية في القواعد الفقهية، والتي نظمها الشيخ عبد الرحمن السعدي ﵀.
وقد رغب مني أن أقدم لرسالته في الماجستير، وعنوانها (العقود المضافة إلى مثلها)، فقرأت أولها، وتصفَّحت بعض معلوماتها؛ ولذا فإني مرتاح لطبع هذه الرسالة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
سعد بن ناصر الشثري
١٢/ ١١/١٤٣٢
1 / 3
مقدمة
اللهم لك الحمد السَّرمد، الذي لا يحصيه العدد، ولا يبلغه الأمد، حمدًا كما ينبغي أن تحمد، أنت له أهل، وهو علينا حق، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد، أمَّا بعد.
فقد خصّ الله ﷾ هذه الأمة ممتنًا عليها بأن أنزل عليها أفضل كتبه، وأرسل إليها خاتم رسله وسيد خلقه، وشرع لها أكمل شريعة لا يشذُّ فعلٌ عن حكمها، وجعلها بين غلو الغالين وتفريط المفرطين، إنه حكيم عليم، ومما مَنّ به علي أن وفقني للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء لدراسة المرحلة العليا (الماجستير)، وله الحمد والمنة، وقد اخترت هذا الموضوع ليكون بحثًا تكميليًا لهذه المرحلة، راجيًا منه ﷾ أنه يكون عملًا مقبولًا وأن يعين -بفضله ورحمته- على تمامه كما وفق لاختياره، وذلك في الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي ١٤٣٠ - ١٤٣١، بإشراف الشيخ د. أحمد بن عبد الرحمن آل الشيخ، وعنوان البحث (العقود المضافة إلى مثلها) (١)، ومرادي من ذلك جمع ودراسة المسائل الفقهية المتعلقة بالعقود التي أضيف فيها العقد إلى عقدٍ آخر من جنسه ونوعه وإن خالف عينه، كمضاربة المضارب وإعارة المعار وإجارة المؤْجَر، وهذه الإضافات تأتي على ثلاثة أضرب:
الأول: إضافة المصدر لفاعله، وذلك نحو توكيل الوكيل، أي أن يوكل الوكيلُ غيرَه، وربما تكون التسمية بما هو أشهر، فتأمين المؤمِّن أشهر منه: إعادة التأمين.
الثاني: إضافة المصدر إلى مفعوله، ومثاله بيع المبيع ورهن المرهون، والمراد أن تُرهَن العين المرهونة مرة أخرى.
الثالث: إضافة المصدر إلى نفسه، وهذا راجع لأحد الضربين السالفين، كمبحث إقالة الإقالة والجعالة على الجعالة.
وهذا المعنى الجامع لمباحث البحث لا يستلزم اتحادَها في الحكم، شأنه في ذلك شأن سائر الدراسات العلمية المبنية على السبر والفحص وجمع الأشباه والنظائر، فلا يلزم أن تتفق حكمًا، بعد أن تنتظم في عقد واحد اسمًا ورسمًا.
واجتمع لي -ولله الحمد- بعد استقراء عددٍ من المطولات جملة صالحة للبحث، وقد قمت ببعض التعديلات والإضافات بعد تسليم البحث ونيل الدرجة بحمد الله تعالى.
_________
(١) أو ترتيب العقود على مثلها، أو بناء العقود على مثلها أو توارد العقود المتفقة على محل واحد.
1 / 5
أهمية الموضوع وأسباب اختياره
تظهر أهمية الموضوع وأسباب اختياره في النقاط الآتية:
١ - الانتشار، فإن هذه العقود يتعامل بها كثيرٌ من الأشخاص: الأفراد والاعتباريين، والثاني أكثر، واعتبر ذلك بأمثلة، وهي: استصناع الصانع، (الاستصناع الموازي) وكذلك مقاولة المقاول (المقاولة بالباطن) وكذلك مضاربة المضارب، فإن كثيرًا من العقود الكبيرة -التي يكون فيها العمل كثيرًا والتكلفة باهظة وتستدعي كفاءات متنوعة- ترسى في مناقصة ما -مثلًا- على جهة تقوم بدورها بإبرام عقود مع جهات أخرى؛ لإنجاز العمل المتفق عليه، فهذا وأمثاله -وما هو أقل منه من صور العقود الفورية- يُعدُّ من المعاملات المنتشرة في العصر الحاضر، مما يحتاج إلى جمع ودراسة وتحرير.
٢ - الحاجة لجمع ودراسة هذه الصور من العقود، والتوصل لحكمها من خلال العرض المنهجي والأسلوب العلمي؛ لتكميل الجهود العلمية الأخرى المتعلقة ببعض جوانب البحث.
٣ - اشتمال البحث على موضوعات عصرية ومسائل حديثة وقضايا مستجدة هي من قبيل النوازل الفقهية، والمساهمة بما يمكن أن يفيد في النظر والعمل بهذه النوازل، من ضوابط أو شروط أو إثراءات علمية.
٤ - أنني لم أجد بحثًا يجمع هذه المسائل كلها، ويخصها بالبحث، مما يدعو للقيام بذلك، ومن جانب آخر: دعوة الباحثين في جميع التخصصات لمثل ذلك في ما يتعلق بفنونهم، فقد وجدت أثناء استقرائي مسائل من هذا القبيل، لكنها ليست محلًا لدراستي؛ لأنها ليست من العقود، مثل: السهو في سجود السهو، الشهادة على الشهادة، والسرقة من السارق، والغصب من الغاصب، وقتل القاتل بلا ولاية دم، والإكراه على الإكراه، والاستثناء من الاستثناء في باب الإقرار، والخِطبة على خطبة أخيه، والسوم على سومه، والمسألة السريجية، وهي من مسائل تعليق الطلاق على الطلاق، وكذلك في أصول الفقه: تقليد المقلد، والقياس على ما ثبت بالقياس، ومثلها في القواعد الفقهية: المشغول لا يشغل، وغيرها، وفي الفرائض توريث الغرقى والهدمى والمناسخات، وفي السنة الإجازة بالمجاز، وفي العربية مانع المانع من الإمالة، وعدم تكبير المكبَّر أو تصغير المصغَّر أو تعريف المعرَّف، ونحوه مما ينبه هذا البحث على مثله.
٥ - ظهور ألقاب جديدة، لم تكن معروفة في الزمان الأول، لعقود معروفة لديهم حقيقةً وحكمًا، كالسلم الموازي.
1 / 6
الدراسات السابقة
تنقسم الدراسات السابقة التي تحوم في موضوع البحث وتقاربه إلى قسمين:-
الأول: البحوث الاستقرائية العامة، وهي التي تناولت جانب تداخل العقود وتركيبها بشكل عام، دون التوافق مع موضوع البحث في شيء من فصوله، ورسائل هذا القسم:
١ - العقود المالية المركبة، دراسة فقهية تأصيلية وتطبيقية، للشيخ د. عبد الله بن محمد العمراني -وفقه الله-، وهي رسالة دكتوراة من قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض. وقد تناول فضيلة الشيخ حكم اشتراط عقدٍ في عقدٍ وحكم اجتماع عقدين مختلفي الحكم في عقد واحد كالبيع والقرض، وأثر ذلك في الخيار والقبض والجهالة وغيرها، وَوَضَعَ ضوابط للعقود المركبة، ودرس التطبيقات المعاصرة لذلك كالإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة المتناقصة والمرابحة المركبة من مواعدة وبيع والتأمين المركب من تأمين وإجارة أو تأمين ومضاربة وعقود الخيارات المركبة في الأسواق المالية المعاصرة والبطاقات المصرفية الائتمانية. وهو بحث قيم بيد أن موضوع بحثي في نوعٍ خاص من التركيب مع استقراء صوره، وليس هناك اشتراك في أي مسألة من مسائل البحثين.
٢ - التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي، للشيخ د. خالد بن سعد الخشلان -وفقه الله-، وهي رسالة ماجستير، في قسم الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض. وهو بحث قائم على جمع المسائل التي اجتمع فيها أسباب لها حكم واحد فتداخلت واستغني بحكم أحدها، وهو بحث مهم غير أنه لم يذكر في فصل التداخل في العقود إلا مسألة التداخل في عوض لبن المصراة عند تعددها واختيار ردها، علاوةً على أنه مغاير لموضوع هذا البحث وفكرته.
الثاني: البحوث الجزئية الخاصة، وهي دراساتٌ في مبحثٍ من مباحث هذا البحث أو في عدد منها، وقد وجدت من ذلك بعد البحث في عناوين الرسائل الجامعية بمكتبة المعهد العالي للقضاء ومكتبة كلية الشريعة بقسميها: الفقه والأصول ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وبعض المكتبات التجارية العناوين الآتية:-
١ - عقد الإجارة من الباطن، دراسة مقارنة، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، للباحث: فهد بن سواد العقيلي-وفقه الله-، في المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن، ضمن بحوث عام ١٤٢٢.
1 / 7
٢ - عقد المقاولة من الباطن في الفقه والنظام، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، للباحث: محمد بن عبد العزيز الماجد -وفقه الله-، في المعهد العالي للقضاء، قسم السياسة الشرعية، ضمن بحوث عام ١٤١٦.
فحصل الاشتراك في هاتين المسألتين، وهما يشكلان عُشر هذا البحث، ولكلٍّ منهجه وطريقته ومن ثم نتيجته الخاصة.
٣ - العقد الباطن في الفقه الإسلامي، للشيخ د. سامي بن عبد العزيز الماجد -وفقه الله-، وهي رسالة دكتوراة من قسم الفقه بكلية الشريعة، وهذا البحث فيه بابان: الأول في تعريف العقد الباطن وحكمه العام وأسبابه وأركانه، وهذا لا علاقة لبحثي به، والثاني في ذكر العقود من الباطن، وذكر فيها ٩ عقود، اشتركت معه في ٧ منها، وانفرد باثنين، ومجموع العقود المذكورة في هذا البحث الذي بين يديك ٢٥ عقدًا، ومن العقود المشتركة العنوان السابقان: المقاولة والإجارة من الباطن، كما أن هذه الرسالة لا تتفق مع هذا البحث في تقسيم المباحث والمطالب في المسائل المشتركة، وذلك أنني جمعت المسائل ورسمت هذه الخطة بجميع مباحثها قبل الاطلاع على هذه الرسالة ثم وقعت لي فعرضتها على ما قمت به فظهرت النتيجة السابقة، وهي أن هذا البحث امتاز بـ ١٨ عقدًا.
والعقدان اللذان امتاز بهما بحث الدكتور: التوريد من الباطن والصيانة من الباطن.
منهج البحث
المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الآتي:
أولًا: أصوِّر المسألة المراد بحثها تصويرًا دقيقًا قبل بيان حكمها؛ ليتضح المقصود من دراستها.
ثانيًا: إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق فأذكر حكمها بدليله مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة.
ثالثًا: إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف، فأتبع ما يلي:
أ- أحرّر محل الخلاف إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف، وبعضها محل اتفاق.
ب- أذكر الأقوال في المسألة، وأبين من قال بها من أهل العلم.
ج- أقتصر على المذاهب الفقهية المعتبرة، مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، وإذا لم أقف على الحكم في مذهب ما للمسألة فأسلك بها مسلك التخريج.
د- أوثِّق الأقوال من مصادرها الأصلية.
هـ- أستقصي أدلة الأقوال مع بيان وجه الدلالة عند الحاجة، وأذكر ما يرد عليها من
1 / 8
مناقشات وما يجاب به عنها إن وجد، وأذكر ذلك بعد الدليل مباشرة.
و- أرجح مع بيان سبب الترجيح، وأذكر ثمرة الخلاف إن وجدت، والترجيح يشمل القول الراجح والصواب والحق، وأعبر عن جميع ذلك بالقول الراجح دون تمييز في التعبير ... –إن وجد-.
رابعًا: أعتمد على أمَّات المصادر والمراجع الأصلية –إن وجد فيها ما يغني عن غيره-، في التحرير والتوثيق والتخريج والجمع، وإذا لم يكن العزو نصيًّا أقول: ينظر.
خامسًا: أركز على موضوع البحث وأتجنب الاستطراد، إلا نادرًا في الحواشي، فأضع فيها بعض الفوائد المناسبة، ومنها ما أذكره لإزالة توهم الخطأ (١).
سادسًا: أعتني بضرب الأمثلة، خاصةً الواقعية.
سابعًا: أتنكب ذكر الأقوال الشاذة.
ثامنًا: أعتني بدراسة ما جَدَّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث.
تاسعًا: أنقل الآيات برسمها من مصحف المدينة النبوية وأرقمها وأبين سورها مضبوطة الشكل، وذلك في صلب البحث.
عاشرًا: أخرِّج الأحاديث من مصادرها الأصلية، وأثبت الكتاب والباب ورقم الحديث والجزء والصفحة، وأبين ما ذكره أهل الشأن في درجتها، إلم تكن في الصحيحين أو أحدهما، فإن كانت كذلك فأكتفي حينئذ بعزوها إليها.
حادي عشر: أخرج الآثار من مصادرها الأصلية.
ثاني عشر: عندما يستدعي الأمر أضع تنبيهًا أو أكثر في نهاية المبحث أو الفرع، وأذكر فيه ما له علاقة بالبحث وليس من صلبه.
ثالث عشر: أعرف بالمصطلحات من كتب الفن الذي يتبعه المصطلح أومن كتب المصطلحات المعتمدة.
رابع عشر: أوثق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالمادة والجزء والصفحة.
خامس عشر: أعتني بقواعد اللغة العربية والإملاء، وعلامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص للآيات الكريمة، وللأحاديث الشريفة وللآثار ولأقوال العلماء، مع تمييز العلامات أو الأقواس فيكون لكل منها علامته الخاصة.
_________
(١) أصل مادة ركز بمعنى غرز، والرِّكاز الثبوت، ونقله للمعنى الشائع المذكور في السياق مناسب، واستعمال هامش بمعنى حاشية مولَّد، كما في القاموس المحيط، مادة همش.
1 / 9
وأضع علامة " " لأسماء الكتب المذكور في أثناء الكلام في المتن أو الحاشية، تمييزًا لها عن الكلام، وإن تميزت بنفسها لم أضعه، كأن يكون اسم الكتاب مذكورا في الحاشية للتوثيق.
سادس عشر: إذا ورد في البحث ذكر أماكن أو قبائل أو فرق أو أشعار أو غير ذلك فأضع له فهارس خاصة إن كان لها من العدد ما يستدعي ذلك.
سابع عشر: أترجم للأعلام غير الأئمة الأربعة بإيجاز بذكر اسم العلم ونسبه وتاريخ وفاته ومذهبه العقدي أو الفقهي والعلم الذي اشتهر به، وأهم مؤلفاته ومصادر ترجمته، في ثبت خاص آخر البحث.
ثامن عشر: أضع خاتمة متضمنة أهم النتائج، وتعطي فكرة واضحة عما يتضمنه البحث.
تاسع عشر: أُتبِع ذلك بالفهارس الفنية المتعارف عليها، وهي:
-
- فهرس الآيات القرآنية.
- فهرس الأحاديث والآثار.
- فهرس الأعلام.
- فهرس المصادر والمراجع.
- فهرس الإجماعات.
- فهرس الفوائد.
- فهرس الموضوعات.
خطة البحث
ينقسم البحث إلى ثلاثة فصول، يقدمها تمهيد، يكتنفها مقدمة -هي هذه- وخاتمة، ويلي الجميع الفهارس العلمية ومنها سرد المصادر والمراجع، وذلك على هذا النحو:
المقدمة: وتشتمل على عنوان البحث وأهمية الموضوع وأسباب اختياره والدراسات السابقة ومنهج البحث وخطته.
تمهيد: تعريف العقود والأصل في حكمها وقواعد في إضافة العقود إلى مثلها، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف العقود.
المبحث الثاني: الأصل في العقود.
المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: الأصل في العقود التي يجوز أن يقوم فيها غير المعقود معه مقامه.
المطلب الثاني: قاعدة نقل الملك بنفس العقد المستفاد به المملوك.
المطلب الثالث: قاعدة نفي الضرر.
المطلب الرابع: قاعدة سد الذريعة.
المطلب الخامس: ضابط فقهي.
1 / 10
الفصل الأول: عقود المعاوضات المضافة إلى مثلها، وفيه أحد عشر مبحثًا:
المبحث الأول: بيع المبيع، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف البيع وحكمه.
المطلب الثاني: حكم بيع المبيع، وفيه فرعان:
الفرع الأول: بيع البائع للمبيع.
الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: بيع المشتري المبيع بعد قبضه.
المسألة الثانية: بيع المشتري المبيع قبل قبضه.
المبحث الثاني: الإجارة على الإجارة، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الإجارة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم إجارة المؤجِر العين المؤجَرة وإجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة، وفيه فرعان:
الفرع الأول: إجارة المؤجِر العين المؤجَرة.
الفرع الثاني: إجارة الأجير مَن يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة.
المطلب الثالث: حكم إجارة المستأجر العينَ المؤجَرة، وفيه ثلاثة أفرع:
الفرع الأول: إجارتها لغير المؤجِر، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: إجارتها بمثل أجرتها أوأقل.
المسألة الثانية: إجارتها بأزيدَ من أجرتها.
الفرع الثاني: إجارتها للمؤجِر.
الفرع الثالث: إجارة المستأجر منافع الأجير.
المبحث الثالث: إقالة الإقالة (١)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الإقالة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم إقالة الإقالة.
المبحث الرابع: مضاربة المضارب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف المضاربة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم مضاربة المضارب، وفيه فرعان:
_________
(١) الإقالة من الفسوخ، ووجه إدخالها مع العقود أنها محل خلاف، فمن العلماء من جعلها بيعًا، كمالك وأبي يوسف.
1 / 11
الفرع الأول: مضاربة المضارب (العامل) بدفع رأس المال لآخر.
الفرع الثاني: مضاربة المضارب (العامل) بتقبل رأس المال من أجنبي.
المبحث الخامس: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف المزارعة والمساقاة وحكمهما، وفيه فرعان:
الفرع الأول: تعريف المزارعة وحكمها.
الفرع الثاني: تعريف المساقاة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم مزارعة المزارع ومساقاة المساقي، وفيه فرعان:
الفرع الأول: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بدفع الأرض أو الزرع لآخر ليقوم بذلك.
الفرع الثاني: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بتقبل أرضٍ أو زرعٍ من أجنبي.
المبحث السادس: استصناع الصانع (الاستصناع الموازي)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الاستصناع وحكمه.
المطلب الثاني: حكم استصناع الصانع.
المبحث السابع: مقاولة المقاول (المقاولة من الباطن)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف المقاولة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم المقاولة من الباطن.
المبحث الثامن: الجعالة على الجعالة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الجعالة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم الجعالة على الجعالة.
المبحث التاسع: إحالة المحال، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحوالة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم إحالة المحال.
المبحث العاشر: السلم الموازي (المتوازي)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف السلم وحكمه.
المطلب الثاني: حكم السلم الموازي، وفيه فرعان:
الفرع الأول: حكم إسلام المسلَم فيه بعينه.
الفرع الثاني: حكم الإسلام في مثل المسلَم فيه.
المبحث الحادي عشر: تورق المتورق (إعادة التورق)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التورق وحكمه.
1 / 12
المطلب الثاني: حكم تورق المتورق (إعادة التورق).
الفصل الثاني: عقود التبرعات المضافة إلى مثلها، وفيه أحد عشر مبحثًا:
المبحث الأول: استدانة المدين وإقراض القرض، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الدين وحكمه.
المطلب الثاني: حكم استدانة المدين، وفيه أربعة أفرع:
الفرع الأول: استدانة المدين غير المعسر.
الفرع الثاني: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون قبل الحجر عليه.
المسالة الثانية: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون بعد الحجر عليه.
الفرع الثالث: استدانة المدين المعسر لقضاء دين الغرماء.
الفرع الرابع: إقراض القرض.
المبحث الثاني: توكيل الوكيل، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الوكالة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم توكيل الوكيل، وفيه ثلاثة أفرع:
الفرع الأول: حكم توكيل الوكيل إذا نهاه موكِّله عن التوكيل.
الفرع الثاني: حكم توكيل الوكيل إذا أذن له موكله في التوكيل.
الفرع الثالث: حكم توكيل الوكيل إذا أطلق موكله الوكالة، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: أن يكون العمل مما لا يقوم الوكيل بمثله.
المسألة الثانية: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولكنه يعجز عنه بنفسه.
المسألة الثالثة: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولا يعجز عنه بنفسه.
المبحث الثالث: إبضاع المبضَع، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الإبضاع وحكمه.
المطلب الثاني: حكم إبضاع المبضَع.
المبحث الرابع: إعارة المعار، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الإعارة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم إعارة المعار.
المبحث الخامس: إيداع الوديعة، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الوديعة وحكمها.
1 / 13
المطلب الثاني: حكم إيداع الوديعة.
المبحث السادس: وقف الوقف، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الوقف وحكمه.
المطلب الثاني: حكم وقف الوقف من قبل الموقوف عليه.
المبحث السابع: هبة الموهوب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الهبة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم هبة الموهوب.
المبحث الثامن: إيصاء الوصي (الموصَّى) وتوصية الموصى له والموصي، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الإيصاء وحكمه.
المطلب الثاني: حكم إيصاء الوصي وتوصية الموصى له والموصي، وفيه ثلاثة أفرع:
الفرع الأول: حكم إيصاء الوصي.
الفرع الثاني: حكم توصية الموصى له.
الفرع الثالث: حكم توصية الموصي بالوصية.
المبحث التاسع: إعتاق الرقيق، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف العتق والرق وحكمهما.
المطلب الثاني: حكم إعتاق الرقيق (١)، وفيه خمسة أفرع:
الفرع الأول: إعتاق القن.
الفرع الثاني: إعتاق المبعض.
الفرع الثالث: إعتاق المكاتب.
الفرع الرابع: إعتاق أم الولد.
الفرع الخامس: إعتاق المدبر وتدبيره.
المبحث العاشر: مكاتبة المكاتب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف المكاتبة وحكمها.
المطلب الثاني: حكم مكاتبة المكاتب.
المبحث الحادي عشر: إقطاع المقطَع، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الإقطاع وحكمه.
_________
(١) المراد وقوع العتق من الرقيق.
1 / 14
المطلب الثاني: حكم إقطاع المقطع.
الفصل الثالث: عقود التوثقة المضافة إلى مثلها، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: رهن المرهون، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الرهن وحكمه.
المطلب الثاني: حكم رهن المرهون، وفيه فرعان:
الفرع الأول: رهن المرهون من طرفٍ ثالثٍ.
الفرع الثاني: رهن المرهون من المرتهن (الزيادة في الدين).
المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن)، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الكفالة والضمان وحكمهما، وفيه فرعان:
الفرع الأول: تعريف الكفالة وحكمها.
الفرع الثاني: تعريف الضمان وحكمه.
المطلب الثاني: حكم كفالة الكفيل وضمان الضمين.
المبحث الثالث: إعادة التأمين، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التأمين وحكمه.
المطلب الثاني: حكم إعادة التأمين.
الخاتمة.
الفهارس:
- فهرس الآيات القرآنية.
- فهرس الأحاديث والآثار.
- فهرس الأعلام.
- فهرس المصادر والمراجع.
- فهرس الإجماعات.
- فهرس الفوائد.
- فهرس الموضوعات.
وقد تكون بعضُ المسائل أطولَ من بعض نظرًا لطبيعة المسألة خلافًا وتحريرًا، فربما كان المطلب الأول محل إجماع فيبدو قصيرًا، كما هو حاصلٌ في مبحث البيع ومبحث التوكيل، وربما كان محل خلاف عريض وليس في المطلب الثاني بحث طويل، كما في المساقاة والمزارعة، ففي أحكام بعض العقود من التفصيل ما ليس في حكم إضافته لمثله، ولا يصح الخوض في حكم العقد المضاف قبل تحرير حكم أصله، وأهل الشأن يقدرون المسائل قدرها، ويدركون أوجه الفرق بينها.
1 / 15
وأختم المقدمة بحمد الله على ما هدى، ثم بالشكر ودعاء الله العلي القدير لوالديَّ على ما ربياني عليه صغيرًا، فاللهم أطل أعمارهما على طاعتك واكفهما همومهما وغمومهما وارزقهما السعادة والهداية، ولزوجي وأختي الكبيرة على ما بذلوه لي من مساعدة، فاللهم جازهم عني خير الجزاء واصرف عنهم الهم والبلاء يا رب الأرض والسماء، ولكل من ساعدني في طباعته وإخراجه أو نصح لي فيه، بكثير أو يسير، فاللهم وفقهم واهدهم وسددهم واجزهم عني خيرًا، وللمشرف بخاصة والمعهد العالي للقضاء وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعامة على إتاحة فرصة الالتحاق بهذا القسم، فاللهم اكشف لهم وجوه الحقائق وخذ بأيديهم في المضائق، هذا ومن الله أستمد العون والتوفيق، والهداية والسداد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
للتواصل: Ebnomar.٣@gmail.com
1 / 16
تمهيد
تعريف العقود والأصل في حكمها وقواعد إضافة العقود إلى مثلها
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف العقود.
المبحث الثاني: الأصل في العقود.
المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها.
1 / 17
المبحث الأول: تعريف العقود
العقود لغةً جمع عقد، والعقد مصدر عَقَدَه يعقِده عقدًا وتَعقادًا، وهو نقيض الحَلِّ (١)، قال في "مقاييس اللغة": (العين والقاف والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شدٍّ وشدّةِ وثوقٍ، وإليه ترجع فروع الباب كلها ... والعقدة في البيع إيجابه) (٢) سواءٌ كان العقد حسيًّا كعقد الحبل والعسل أو معنويًا كعقد اليمين والعهد والبيع (٣).
والعقد عند علماء الشريعة له إطلاقان:
الأول: إطلاقٌ عام، والعقد بالإطلاق العام معناه الالتزام.
والالتزام كون الشخص مكلَّفًا بفعل أو امتناع عن فعل لمصلحة غيره (٤).
ومن ذلك قوله ﷾: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ المائدة: (٨٩)، فكل التزام ولو كان من طرف واحد يكون عقدًا بهذا المعنى، كاليمين والإبراء والأمان والوقف (٥).
الثاني: إطلاق خاص، ولا بد فيه من إرادتين متفقتين، والعقد بالإطلاق الخاص هو ارتباط الإيجاب بالقبول أو ما يقوم مقامهما بمثله.
فالارتباط جنسٌ عامٌّ في حقيقة العقد، فهو الجامع بين المتعاقدين، وأما الالتزام فهو أثرٌ للعقد، فالمتعاقدان يلتزمان بمقتضى العقد وبشروطه بعد إبرامه وحصول الارتباط بين الإرادتين؛ لذا كان جنس الارتباط أولى في التعريف من جنس الالتزام، وبعض العقود جائزة يحق للطرفين فسخها، وهذا ينافي الالتزام.
والإيجاب ما صدر من المالك المُملِّك كالبائع في عقد البيع سواءٌ كان صدوره قبل الطرف الثاني أو بعده، وهذا مذهب المالكية (٦) والشافعية (٧)
_________
(١) المحكم والمحيط الأعظم، مادة عقد ١/ ١٦٥، لسان العرب، مادة عقد ٤/ ٢٨٩.
(٢) مقاييس اللغة، مادة عقد ٤/ ٨٦.
(٣) مفردات ألفاظ القرآن ص ٥٧٦، الجامع لأحكام القرآن ٦/ ٣٢، فائدة: حذف همزة التسوية (الاستفهامية) مع أو وأم المعادلة سائغ، وله شواهد من قراءة أبي جعفر وابن محيصن، وينظر للاستزادة القرارات النحْوية والتصريفية ص ٣٥٠ - ٣٥٨، وإن كان ما بعد (سواء) فعل من غير استفهام كان العطف بأو. الأشباه والنظائر في النحو ٤/ ١٠١.
(٤) المدخل الفقهي العام ١/ ٥١٤، ويلاحظ أن مصلحة الالتزام (كالعقد) تشمل كلا المتعاقدين غالبًا، وليست خاصة بغير الملتزم منهما.
(٥) ينظر مجموع الفتاوى ٣٣/ ٤٧ - ٥١، ٣٥/ ٢٧٤ - ٢٧٥، فائدة: في "المدخل المفصل" لبكر أبو زيد ١/ ٢١٠: (الفتاوى-مجموع الفتاوى ... ومنذ تاريخ طبعها حتى الآن والمتأخرون بل أهل العصر ينقلون عنها، ويعزون إليها بواحد من الألفاظ المذكورة، ولا يكاد ينصرف إلى غيره عندهم).
(٦) حاشية الدسوقي ٣/ ٣.
(٧) البيان للعِمراني ٥/ ١٥.
1 / 18
والحنابلة (١)، وعند الحنفية (٢) الإيجاب ما يُذكر أولًا من كلام أحد المتعاقدين سواءٌ كان هو المالك المملِّك أو المتملِّك.
والقَبول على رأي الجمهور ما صدر من المتعاقد الثاني، وهو المتملك، وعلى رأي الحنفية ما يُذكر ثانيًا.
وجاء في التعريف (أو ما يقوم مقامهما بمثله) ومعناه: أو ارتباط ما يقوم مقام الإيجاب والقبول كالمعاطاة أو التعاطي بمثله من المتعاقد الآخر، فأخذ السلعة من المشتري يقوم مقام القبول وأخذ الثمن من البائع أو مده السلعةَ هو المِثل المقابل لفعل المشتري، ويقوم مقام الإيجاب، على اصطلاح الجمهور (٣).
ولا يصح أن يضاف في آخر تعريف العقد (على وجه مشروع يظهر أثره في محله) أو (يترتب أو يثبت أثره في المعقود عليه)؛ لأن هذا تعريف للعقد الصحيح، والمعرَّف هو العقد المطلق، فهو بإضافة هذا القيد تعريف غير جامع، والأصل في الحقائق العقلية والمصطلحات الشرعية أن تشمل الصحيح والفاسد؛ لذا يقال: بيع فاسد ونكاح باطل. فصح إطلاق مسمى العقد مع عدم حصول الأثر الشرعي عليه بلا تردد، وينفرد الثاني بورود الدور.
وقد يَرِدُ ذكر عقدٍ من العقود في النصوص الشرعية أو في ألفاظ المكلفين مطلقًا مرادًا به الصحيح من جنسه، بل هذا هو الأصل في الإطلاقات، كالوكالة بالبيع يحمل على البيع الصحيح، لكن بيان حقيقة العقد لا يتقيد بالصحة، فبينهما فرقٌ ظاهرٌ (٤).
والمقصود بالعقود المضافة إلى مثلها العقود بالإطلاق العام.
وللعقود تقسيمات متعددة بناءً على اختلاف الاعتبارات (٥)، ومن ذلك تقسيم العقود باعتبار المقصود منها، وأقسامها بهذا الاعتبار ثلاثة:
_________
(١) الشرح الكبير ١١/ ٨ - ٩.
(٢) الدر المختار مع حاشيته ٧/ ١٦، المدخل الفقهي العام ١/ ٣٨٢.
(٣) يرى الجمهور أن مسمى الإيجاب والقبول خاص بالصيغة القولية ولا يطلق على المعاطاة، خلافًا للمالكية ورواية عند الحنابلة اختارها أبو العباس ابن تيمية. بدائع الصنائع ٥/ ٢٢٤، المجموع ١٠/ ٢٤٤، المغني ٦/ ٧، الإنصاف ١١/ ١٤، الإيجاب والقبول بين الفقه والقانون ص ٤١، صيغ العقود في الفقه الإسلامي ص ١٨٩ - ١٩٠.
(٤) من تعريفات العقد: ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعًا. التعريفات ص ١٥٥، ومنها: التزام المتعاقدين وتعاهدهما أمرًا، أو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول. درر الحكام ١/ ١٠٥ مادة ١٠٣، وفي أولهما دور ظاهر، ومنها: كل ما يتوقف على إيجاب وقبول. حاشية الدسوقي ٣/ ٥.
(٥) أوصلها د. مصطفى الزرقا إلى اثني عشر تقسيمًا. المدخل الفقهي العام ١/ ٦٣١ - ٦٤٧.
1 / 19
الأول: عقود معاوضات، ويدخل فيها تبعًا عقود المشاركات؛ لاشتراكهما في معنى المعاوضة العام، ويمكن جعلها قسمًا مستقلًا لتميز أحكامه عن المعاوضات، بل من العلماء من ألحق المشاركات بالتبرعات (١)، ولا مشاحة في هذا كله إذا فُهم مأخذه.
الثاني: عقود تبرعات، ومنهم من يميز عنها عقود الإرفاق، والإرفاق معنى يشمل العقود وغيرها، ومنهم من يميز عنها عقود الإباحات والأمانات المحضة، كما أن التبرعات تشمل التبرعات المحضة والمعلقة بالموت (٢).
والثالث: عقود التوثقات.
وبعض العقود غير المالية يكون فيها معاوضة، لكنها قصدٌ ثانٍ في العقد، كالنكاح، وليس في مسائله وما يلحق به ما يدخل في العقود المضافة إلى مثلها، حسبما توصلتُ إليه، ولو كان لشغلتْ قسمًا رابعًا، ومن أسباب تباين المناهج في تقسيم العقود بهذا الاعتبار أن من العقود ما لا مرية في كونها معاوضة، ومنها ما لا مرية في كونها تبرعًا، وكذلك في التوثقات، ومن العقود ما تُردد فيها؛ لأنها آخذة بنصيب من كل قسم، فيتجاذبها نوعان أو أكثر، كالعبد في الأحكام، هل يلحق بالبهيمة لأنه يباع ويشترى ويوهب ويوقف، أو يلحق بالحر لأنه مكلف ومتصرف؟ وكالحلي من النقدين، هل يُزكّى؛ لأن جنسه ذهب أو فضة فيلحق بهما، أو لا يُزكّى لأنه يُستعمل كالأثاث والمركوب والملبوس والعبد والفرس؟ فعلى سبيل المثال: الحوالة فيها معنى الإرفاق والتوثقة، وفيها شوب معاوضة، والقرض: هو ابتداءً تبرع وانتهاءً معاوضة.
ولا يعدو الأمر كونه اصطلاحًا ومردُّه إلى الاجتهاد.
لذا لم يخصّه المتقدمون في دوواين الفقه بكبير عناية، من حيث التوسع في التقسيم والتعريف بها.
_________
(١) تقرير القواعد وتحرير الفوائد لابن رجب ٢/ ٤١٨، القاعدة الخامسة بعد المائة.
(٢) تقرير القواعد وتحرير الفوائد لابن رجب ٢/ ٤١٨، القاعدة الخامسة بعد المائة.
1 / 20
المبحث الثاني: الأصل في العقود
قواعد الأصل في العقود كثيرة، فالأصل فيها اللزوم، والأصل فيها الفورية والتنجيز أو المناجزة، والأصل فيها السلامة، والأصل فيها تنزيلها على المتيقن أو الظاهر القريب، ولكن المقصود هنا الأصل في العقود من حيث حكمُها، والأصل فيها بهذا الاعتبار الجواز والصحة، في مذهب جمهور العلماء (١)، بل نصَّ ابن حزم على ما يوافق ذلك فقال: (إن ما سكت عنه النبي ﵌ فلم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح، وليس حرامًا ولا فرضًا) (٢)، لكن العبرة بما صرَّح به، وهو ما عزاه أبو العباس ابن تيمية إلى أهل الظاهر، أنهم لا يصحِّحون عقدًا ولا شرطًا إلا ما ثبت جوازه بنصٍّ أو إجماعٍ (٣).
ودليل الصحة والإباحة قوله ﷻ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ المائدة: (١)، وعدد من الآيات التي فيها حصر المحرمات وتَعدادها (٤) مما يُفهم إباحة ما سواها، من ذلك قوله ﷿: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ الأنعام: (١٥١) الآيات، وقوله ﷾: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ الأنعام: (١٤٥) الآيات، وقوله ﷺ: «إن من أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرَّم فحُرِّم من أجل مسألته» (٥).
ويظهر أثر هذا الأصل في البحث من جانبين: أحدهما: أن من وافق قوله الأصل لا يُطالب بالدليل؛ لأن دليله أدلة أصله، فإذا استدلّ فجانبه متقوٍّ بالأصل، والثاني: أنه من المرجحات في محل النزاع.
_________
(١) المبسوط ١٨/ ١٣٤ قال: (وأبو حنيفة ﵀ يقول الأصل في العقود الشرعية الصحة واللزوم)، الذخيرة ٤/ ٣٩٨، ١٩/ ٣٣٦ - ٣٣٧، الأشباه والنظائر للسبكي ١/ ٢٥٣، الأشباه والنظائر للسيوطي ص ١٦٦، القواعد الكلية (النورانية) ص ٢١٢، ٢٧٣، ٣٩٣، إعلام الموقعين ٣/ ١٠٧، تقرير القواعد لابن رجب ٣/ ١٧٠.
(٢) المحلى ١/ ٦٤.
(٣) القواعد الكلية ص ٣٦٥، المحلى ٨/ ٤١٢، الإحكام لابن حزم ٢/ ٣، ٣٠.
(٤) روى ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين أنهم قالوا: لم يأت من المصادر على تِفعال إلا حرفان: تبيان وتلقاء، فعلى هذا يجب أن تكون المصادر التي جاءت على تفعال كلها مفتوح التاء كالتيسار والتذكار والتكرار والتهذار والتلعاب، وأن يكون ما هو مكسور التاء غير التبيان والتلقاء أسماء، نحو التمساح والتمثال. أدب الكاتب ص ٦٠٤، الغرر على الطرر ١/ ٢٢٤.
(٥) رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (٩/ ٩٥) (ح ٧٢٨٩)، ومسلم، كتاب الفضائل (٧/ ٩٣) (ح ٦١١٦)، قال ابن حجر في الفتح (١٧/ ١٦٠): (وفي الحديث أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك).
1 / 21
المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: الأصل في العقود التي يجوز أن يقوم فيها غير المعقود معه مقامه
الأصلُ في العقود اللازمة على عمل معين تحصيلُ العمل، فيجوز أن يقوم به غير المعقود معه، والعقود غير اللازمة (الجائزة) لا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه فيها.
والعقود اللازمة هي التي لا يستقل أحد الطرفين فيها بالفسخ دون رضا الآخر، والعقود الجائزة بعكسها، فقد يستقل بفسخها أحد الطرفين أو كلاهما.
قال ابن رجب: (العقد الوارد على عمل معين إما أن يكون لازمًا ثابتًا في الذمة بعوض كالإجارة فالواجب تحصيل ذلك العمل، ولا يتعين أن يعمله المعقود معه إلا بشرط أو قرينة تدل عليه، وإما أن يكون غير لازم وإنما يستفاد التصرف فيه بمجرد الإذن فلا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه في عمله إلا بإذن صريح أو قرينة دالة عليه، ويتردد بين هذين من كان تصرفه بولاية إما ثابتة بالشرع كولي النكاح أو بالعقد كالحاكم وولي اليتيم) (١).
وتوجيه ذلك أن مقصود العقود اللازمة تحصيل المعقود عليه من عين أو عمل، وليس مباشرة ذلك العمل إلا إذا قامت قرينة على قصد مباشرة المعقود معه، أما العقود الجائزة فهي عرضة للفسخ من الطرفين، وهذا يجعلها أضعف من أن يستند فيها إلى طرف ثالث.
أمثلة ذلك:
أولًا: العقود اللازمة: الأجير المشترك يجوز له الاستنابة في العمل من حيث الأصل؛ لأنه ضمن تحصيله لا عمله بنفسه (٢)، والصانع يجوز له الاستنابة من حيث الأصل؛ لأن المعقود عليه تسليم العمل لا مباشرته (٣).
ثانيًا: العقود الجائزة: الوكيل في ما يقوم به مثله ولا يعجز عنه لا يجوز له التوكيل من حيث الأصل؛ لأنه عقد جائز (٤)، والعامل المضارب ليس له أن يضارب برأس المال من حيث الأصل؛ لأنها عقد جائز (٥).
والمراد بكونها من حيث الأصل أن تخلو من شرط أو قرينة تقتضي خلاف الأصل.
وأما العقود اللازمة من طرف والجائزة من الطرف الآخر، كالرهن والكفالة والضمان
_________
(١) تقرير القواعد (٢/ ٢٣)، القاعدة التاسعة والستون.
(٢) المرجع السابق.
(٣) بدائع الصنائع ٥/ ٧، حاشية ابن عابدين ٧/ ٥٠٢.
(٤) بدائع الصنائع ٦/ ٦٠، المدونة ٤/ ٣٨٢، الأم ٣/ ٢٣٢، المغني ٧/ ٢٠٩.
(٥) بدائع الصنائع ٦/ ١٧٠، الذخيرة ٦/ ٥٥، نهاية المحتاج ٥/ ١٦٩، المغني ٧/ ١٧٢.
1 / 22
والمكاتبة فهي كالعقود اللازمة في ما سبق، غير أنه لا أثر لها على مباحث هذا البحث، كما سيتبين في المباحث المتعلقة بالرهن والكفالة والضمان والمكاتبة.
المطلب الثاني: قاعدة نقل المِلك بنفس العقد المستفاد به المملوك
الأملاك التامة قابلة للنقل بالعوض وغيره في الجملة، ومِلك المنافع إن كان بعقدٍ لازم جاز نقل الملك بمثل الذي ملك به أو دونه، دون ما هو أعلى منه ومَلَك المعاوضة عليه (١).
وتوجيه ذلك أن الملك التام يخوِّل صاحبه التصرف المباح المطلق كالاستعمال والاستغلال والمعاوضة، فيملك أن يهب الموهوب له وأن يوصي بالموصى له بعد القَبول الحاصل عقب موت الموصي، أما الملك غير التام كملك منفعة العين المستأجرة فله أن ينقل الملك فيها بمثل العقد الأول بشرط أن يكون المعقود معه بمنزلته أو أقل في استيفاء المنفعة، كالإجارة والإعارة عند من يرى أنها تمليكُ منفعةٍ؛ لأنه إنما ملك المنفعة، واستيفاؤها يكون بقبض العين، ونفيًا للضرر عن مالك العين.
المطلب الثالث: قاعدة نفي الضرر
إذا تضمن العقد الثاني المضاف إلى مثله ضررًا بالمتعاقد الأول الذي لم تنقطع عُلَقه بالمعقود عليه لم يجز ولم ينفذ إلا بإذنه أو بتدارك الضرر بالضمان ونحوه.
ودليل ذلك عموم أدلة نفي الضرر وتحريمه (٢)، والنهي يقتضي الفساد (٣)، فإذا أذن فقد أسقط حقه، فإلم (٤) يأذن إلا بمقابل (تعويض) فله ذلك، وهذا التدارك لا يرفع الحكم بعدم الجواز والفساد ولكنه يجبر الضرر بعد وقوعه.
قال الزركشي والسيوطي: (واعلم أن إيراد العقد على العقد ضربان: أحدهما: أن يكون قبل لزوم الأول وإتمامه فهو إبطالٌ للأول إن صدر من البائع، وإمضاءٌ للأول إن صدر من المشتري بعد القبض. الثاني: أن يكون بعد لزومه، وهو ضربان: الأول: أن يكون مع غير العاقد الأول، فإن كان فيه إبطال لحق الأول لغا، وإلم يكن فيه إبطال للأول صح. الثاني: أن يكون مع العاقد الأول، فإن اختلف المورد صح قطعًا، وإن اتحد المورد فقال العراقيون: لا
_________
(١) تقرير القواعد ٢/ ٢٩٠، القاعدة السابعة والثمانون، بدائع الصنائع ٤/ ٣١٥،، الفتاوى الهندية ٤/ ٤٢٥، المدونة ٥/ ٤١٤، مواهب الجليل ٧/ ٥٣٦، المهذب مع تكملة المجموع ١٧/ ٣٣١، المنهاج مع مغني المحتاج ٢/ ٤٤٩ - ٤٥٠، المغني ٨/ ٥٥،٥٧، الروض المربع ٧/ ١٠٣ - ١٠٤.
(٢) ينظر جامع العلوم والحكم ص ٥٦١ - ٥٧٦، ح ٣٢.
(٣) شرح الكوكب المنير ٣/ ٨٤ - ٩٦.
(٤) إن الشرطية وأن المصدرية -إذا كانت ناصبة- إذا جاء بعدهما (لا) أو (لم) أدغمتا ولم تظهر النون. أدب الكاتب ص ٢٣٩، درة الغواص ص ٧٠٦.
1 / 23