الباحث نفسه قد استدل في بحث آخر له بهذه الأحاديث الأربعة بعينها على أن البخاري يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقي، كما هو مذهب مسلم، ولا يشترط ثبوت التصريح بالتحديث، بدليل أن بعض الأئمة - كالدارقطني وغيره - تعقب البخاري في إخراجه أحاديث الحسن، عن أبي بكرة، وأنه لم يسمع منه، فهذا - كما ترى - تناقض في الاستدلال، فأحاديث الحسن، عن أبي بكرة إن صح الاستدلال بها على إحدى القضيتين - امتنع الاستدلال بها على القضية الثانية، ويبقى النظر في دلالتها على المراد في القضية التي يُسْتَدَلُّ بها عليها.
وقد رأيت كلامًا لباحث آخر يناقش فيه وصف ابن حجر في كتابه "التقريب" لمجموعة من الرواة بأنهم مدلسون، وهذا نص كلام الباحث: "ومن ذلك أيضًا (يعني من الجوانب التي هل محل انتقاد في كتاب ابن حجر) وصف عدد من التابعين الذين لم يدركوا أحدًا من الصحابة أو بعضهم وأرسلوا أحاديثهم - بالتدليس، مثل سليمان بن مهران الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، ويحيى بن أبي كثير، والحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، ونحوهم، فهؤلاء وأمثالهم إذا رووا عن الصحابة لم يقبل حديثهم إلا إذا صرحوا بالسماع فيقبل حديثهم".
كذا قال الباحث، وقد قلبت كلامه هذا على النار طويلًا فلم ينضج، ولست أجزم بمراده على التحديد، لكن أقرب ما وقع في ذهني في تفسيره هو ما تقدم من أن هناك عددًا من الرواة أرسلوا عمن عاصروه ولم يسمعوا منه،