Comments on Sahih Ibn Hibban
التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان
प्रकाशक
دار با وزير للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
प्रकाशक स्थान
جدة - المملكة العربية السعودية
शैलियों
-[التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه]-
مؤلف الأصل: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: ٣٥٤ هـ)
ترتيب: الأمير أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله، علاء الدين الفارسي الحنفي (المتوفى: ٧٣٩ هـ)
مؤلف التعليقات الحسان: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني (المتوفى: ١٤٢٠ هـ)
الناشر: دار با وزير للنشر والتوزيع، جدة - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى، ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
عدد الأجزاء: ١٢ (١٠ أجزاء ومجلدان فهارس)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
تنبيهات:
١ - ترقيم الكتاب حسب طبعة الشيخ الألباني وإضافة ترقيم طبعة المؤسسة - إذا كان بينهما تفاوت -، وذلك بين هلالين: ()،وبذلك يصير الكتاب مرجعا لكلا الطبعتين،ثم أثبتنا رقم التقاسيم والأنواع.
٢ - بالمطبوع قفز بين الأرقام أبقيناه كما هو (الحديث ٥٢٨٧ بعده ٥٢٩٠)
٣ - ذكر الناشر في مقدمته ص ٣١ مايلي:
«وقع ابن حبان ﵀ في بعض المخالفات العقائدية؛ كتأويل كثير من صفات الباري
ـ جل وعلا ـ؛ مُغايرًا في ذلك منهج السلف الصالح ﵃.
ولم يتعقَّبْه الشيخ ﵀ بشيء من ذلك - ولا نحن ـ؛ وإلا لطال الكتاب، وخرج عن مقصوده؛ مُكتفين بهذه الإشارة العلمية - هنا ـ؛ التي تكفي اللبيب، وتغني الأريب.»
أعدّ الكتاب: خليل الراوي.
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله - وحده لا شريك له ـ.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فلم نجد مدخلا علميًا - متميزًا - لهذا الكتاب الجليل: - أعلى وأكملَ - مما كتبه محدث الديار المصرية الأستاذ العلامة الشيخ أحمد بن محمد شاكر؛ المتوفى سنة (١٣٧٧هـ) - تغمَّده الله برحمته ـ.
ولقد كانت كتابته المشار إليها - هذه - مقدمة حافلة لذلك المجلد الصغير الذي حققه وأخرجه ﵀ من «صحيح ابن حبان» قبل أكثر من نصف
1 / 3
قرن من الزمان.
ولما كانت الصلات بين أهل الحديث - علماء وكبراء - منذ قديم الزمان - (متصلة) و(مسلسلة): كان (صحيحًا) جدًا - فيما نرى - البدء بهذا المدخل؛ قوة، وجودة ومعرفة.
وبخاصة أنه كانت تربط الشيخ العلامة أحمد بن محمد شاكر ﵀ مع مؤلف هذا الكتاب: أستاذنا الجليل الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني ﵀ علاقة علمية منهجية رائقة - وعلى وجوه عدة ـ؛ سواء في اللقاء الشخصي (١)، أم في التوجه السلفي، أم في البحث العلمي، أم في التخصصِ الحديثي.
٠٠٠فهاكم عيون فوائد مقدمة (٢) الأستاذ العلامة المحدث أحمد بن محمد شاكر - لهذا الكتاب ـ؛ بكل ما أَوْقَرَهُ فيها - تغمده الله برحمته - من علمٍ حقٍّ صواب (٣):
_________
(١) انظر كلام شيخنا العلامة الإمام الألباني ﵀ في بعض ذلك - في كتابه «تمام
المنة» (ص٧٥).
(٢) مع تلخيص يسير لبعض ما لم نرَ فائدة (عظمى) في إثباته - هنا - مما هو ذو فائدة قيمةٍٍ
في نفسهِ - هناك ـ.
(٣) ثم نتناول بعدها - إن شاء الله - بمبحث منفرد - الكلام حول «التعليقات الحسان ٠٠٠»، وما يتعلق به من تفصيلٍ وتأصيلٍ.
ونُتْبِعُ ذلك - بتوفيق من الله - بإيراد نماذج متعددة من تعليقات شيخنا المؤلف ﵀، وحواشيه، وتخريجاته - بخطه ـ.
والموفق الله.
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز القهار، الصمد الجبار، العالم بالأسرار، الذي اصطفى سيد البشر محمد بن عبد الله بنبوته ورسالته، وحذر جميع خلقه مخالفته، فقال عز من قائل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) - صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين ـ.
أما بعد:
فإن الله - تعالى ذكره - أنعم على هذه الأمة بإصطفائه بصحبة نبيه ﷺ أخيار خلقه في عصره، وهم الصحابة النجباء، البررة الأتقياء، لزموه في الشدة والرخاء، حتى حفظوا عنه ما شَرعَ لأمته بأمر الله، ثم نقلوه إلى أتباعهم، ثم كذلك - عصرًا بعد عصرٍ - إلى عصرنا هذا؛ وهو هذه الأسانيد المنقولة إلينا: بنقل العدل عن العدل، وهي كرامة من الله لهذه الأمة، خصهم بها دون سائر الأمم.
1 / 5
ثم قيض الله لكل عصر جماعة من علماء الدين، وأئمة المسلمين، يُزَكُّون رواة الأخبار، ونقلة الآثار، ليذبوا به الكذب عن وحي الملك الجبار.
فمن هؤلاء الأئمة: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (١)، وأبو الحسينِ مسلم بن حجاج القشيري ﵄: صَنَّفَا في صحيح الأخبار: كتابين مهذبين، انتشر ذكرهما في الأقطار (٢).
وقد التزم الشيخان - البخاري ومسلم - أن يخرجا في كتابيهما الصحيح من الحديث، بل أعلى أنواع الحديث درجة، ولم يلتزما - ولا واحد منهما - استيعاب الصحيح كله، بل تركا كثيرًا من الصحيح الذي على شرطهما، والصحيح الذي هو أقل درجة من شرطهما.
وتبعهما في صنع كتب تقتصر على صحيح الحديث كثير من الحفَّاظ الأئمة الكبار؛ منهم:
ابن خزيمة، الحافظ الكبير، إمام الأئمة، شيخ الإسلام، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، ولد سنة ٢٢٣هـ، وتوفي سنة ٣١١ هـ، عن٨٩ سنة.
صنَّف كتابه المشهور «صحيح ابن خزيمة» ولم نره قط، ولا ندري! لعله
_________
(١) هو البخاري ﵀.
(٢) من أول الخطبة إلى هنا: هو نص خطبة الحاكم أبي عبد الله [المتوفى سنة (٤٠٥هـ)]، في كتاب (المستدرك على الصحيحين) - المطبوع في حيدر آباد بالهند سنة ١٣٣٤ هـ.
1 / 6
يوجد منه نسخ مخطوطة لم تصل إلينا، ولم يصل إلينا خبرها، وعسى أن يجده من يُعنى بتحقيقه ونشره نشرا علميا صحيحًا (١).
ثم تبعه تلميذه: ابن حبان، الإمام الحافظ العلامة، أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي، مات سنة ٣٥٦هـ، عن نحو ٨٠ سنة.
صنف كتابه الذي سماه «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، من غير وجود قطعٍ في سندها، ولا ثبوت جرح في ناقليها»، الذي عُرف بين علماء الحديث باسم: «التقاسيم والأنواع»، واشتهر بينهم - وعلى ألسنة الناس - باسم: «صحيح ابن حبان».
ثم تبعه تلميذه: الحاكم أبو عبد الله، الحافظ الكبير الحجة، إمام المحدثين في عصره، أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري، المشهور بالحاكم، والمعروف بابن البَيِّعِ، ولد في ربيع الأول سنة ٣٢١هـ، ومات في صفر سنة ٤٠٥ هـ.
صنَّف كتاب «المستدرك على الصحيحين»، وهو معروف مطبوع، كما أشرنا إلى ذلك - آنفًا ـ.
وهذه الكتب - الثلاثة - هي أهم الكتب التي أُلِّفَتْ في الصحيح المجرد، بعد «الصحيحين» - للبخاري ومسلم ـ.
ولطالما فكَّرت في طبع الأولين منها: «صحيح ابن خزيمة»، و«صحيح ابن حبان»
_________
(١) وقد وجدت منه قطعة حسنة، طبعت في أربعة مجلدات، حققها الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وراجع تخريج أحاديثها، واستدرك كثيرًا من أحكامها: شيخنا الإمام - مؤلف هذا الكتاب - الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني ﵀.
1 / 7
ثم أُحجم؛ لأن لا أجد الفرصة المواتية، وأن لا أجد نسخًا منهما - أو من أحدهما ـ.
وكنت أعرف - منذ عهدي بطلب الحديث وخدمته - منذ أول الشباب - أن الأمير علاء الدين الفارسي رتب «صحيح ابن حبان» على الأبواب، وسماه: «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان»، وأن نسخته كاملة بدار الكتب المصرية، في ٩ مجلدات كبيرة.
فلما تهيأت الفرصة - بعون الله وتوفيقه - فكرت في طبع «ترتيبِ» الأمير علاء الدين، على كراهيتي للتصرف في كتب الأئمة القدماء (١)، وحرصي على أن تخرج للناس على الوضع الذي صنعه عليه مؤلفوها ﵏، ولكن لم أجد بُدًّا مما ليس منه بد: أنَّ كتاب ابن حبان - الأصلي - غير موجود فيما وصل إلينا من العلم بالكتب ومظانِّ وجودها (٢)
أما بعد:
فهذا «صحيح ابن حبان» (٣)، وهو الاسم الذي اخترته له، وأن لم يكن أحد
_________
(١) وهذا أمر اجتهادي؛ لأهل العلم فيه طرائق - و«الأنظار تختلف» - كما قاله الشيخ أحمد شاكر - نفسه - فيما سيأتي (ص ١٤) ـ.
(٢) ثم قد ذكر الأستاذ شاكر ﵀ في (مقدمته) (ص٧) - هنا - وقوفه على بعض قطع من مخطوطة «التقاسيم والأنواع» - هذا ـ، ووصفها.
(٣) ومعه تعليقات العلامة المحدث الألباني ﵀ عليه - المسماة: «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان»، وهو هذا الكتاب - والحمد لله ـ.
1 / 8
الاسمين الذين أطلقهما عليه المؤلفان؛ فإن لكتابنا هذا - كما عرفت - مؤلفين:
أحدهما: الراوي والجامع والمختار، والمصنف - على نمط معين، ونظام مبتدع ـ.
والآخر: المُرَتِّبْ على الوضع الحالي، على الكتب والأبواب، التي صنفت عليها أكثر دواوين العلم، في الحديث والفقه، منذ عهد مالك في «الموطَّإ»، ثم من تبعه من الأئمة والعلماء،على تباين آرائهم في التقسيم والتبويب، وطرق اختيارهم في التقديم والتأخير.
وإنما اخترت هذا الاسم - «صحيح ابن حبان» - دون الاسمين الآخرين؛ لأنه المطابق للكتاب - على الحقيقة ـ؛ فعلى أي ترتيب كان؛ فهو «صحيح ابن حبان»، وهو الاسم الأشهر والأَسْيَرُ على ألسنة المحدثين والفقهاء والمخرِّجين، وعلى ألسنة الناس كافة، يقولون - إذا نسبوا إليه حديثًا ـ: (أخرجه ابن حبان في «صحيحه»)، أو: (صححه ابن حبان)، أو نحو ذلك من العبارات، فهو في لسانهم - أبدًا: - «صحيح ابن حبان» يريدون: أنه رواه وأخرجه، واختاره وصححه، فسواء تقدم الحديث أو تأخر - في ترتيب ابن حبان الذي صنع - فهو
حديث رواه في كتابه، مختارًا له على شرطه، ومصححًا.
هذا إذا ما خَرَّجُوا منه حديثًا، أو نسبوه إليه، على الأكثر الغالب، الذي يندُرُ أن يقولوا غيره.
أما أذا ما تحدَّثُوا عن الكتاب نفسه، في كتب المصطلح، أو كتب التراجم - ونحوها - فإنهم أكثر ما يقولون في تسميته: " التقاسيم والأنواع "، وهذا
1 / 9
الاسم هو الذي كنا نعرف به الكتاب من أقوالهم قبل أن نراه، وكنا نظن - بكثرة ما كرروه وقالوه - أنه اسمه العلم الذي وضعه له مؤلفه الحافظ الكبير.
وفي الندرة النادرة أن يطلقوا عليه اسم "الأنواع " - فقط ـ؛ كما صنع الحافظ الذهبي في ترجمة ابن حبان في كتاب «تذكرة الحافظ» (٣/ ١٢٦)، قال: (قال ابن حبان في كتاب " الأنواع ")، أو «كتاب الأنواع والتقاسيم»! كما صنع صاحب «كشف الظنون» (١)!
ثم كان من توفيق الله أن وقَعَتْ لي القطعة الأولى من الكتاب، وهي قطعةٌ أستطيع أن أثق بها؛ فوجدت فيها عنوان الكتاب - هكذا ـ:
_________
(١) من عجب أن صاحب «كشف الظنون» اضطرب قوله في اسم الكتاب، فذكره ثلاث مرات في ثلاثة مواضع بثلاثة أسماء:
ـ سماه في (حرف التاء): «التقاسيم والأنواع في الحديث»، (١/ ٣١٧ من طبعة الأستانة بمطبعة «العالم» سنة ١٣١٠ـ١٣١١هـ)، و(١: ٤٦٣ من طبعة الأستانة بالمطبعة الحكومية سنة ١٣٦٠ـ١٣٦٢هـ).
ـ وسماهُ في (حرف الصاد): «صحيح ابن حبان»، (٢: ٧٧ من الطبعة الأولى)، و(٢: ١٠٧٥ من الطبعة الثانية).
ـ وسماه في (حرف الكاف): (كتاب «الأنواع والتقاسيم» لابن حبان .... وهو المعروف بـ «صحيح ابن حبان»)، (٢٦٧: ٢)، (١٤٠٠: ٢).
وهذا الاضطراب يدلنا على أن صاحب «كشف الظنون» لم يَرَ الكتاب، وإنَّما وصف عما نقل من الكتب!
1 / 10
(المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع،
من غير وجود قطع في سندها،
ولا ثبوت جرح في ناقليها):
فَرَجَحَ عندي - بل استيقنت - أن هذا هو الاسم الصحيح للكتاب، الاسم الذي سماه به مؤلفه، وزادني بذلك ثقة: أن الحافظ الذهبي نقل في ترجمة ابن حبان في «تذكرة الحفاظ» (٣/ ١٢٦) بعض ما قال أبو سعيد الإدريسي (١) في الثناء على ابن حبان قال: «كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدين، وحُفَّاظِ الآثار، عالما بالطب والنجوم، وفنون العلم، صنَّفَ «المسند
الصحيح»، و«التاريخ» ٠٠٠» إلخ.
فهذا حافظ قديم، معاصر لابن حبان، سمع من شيوخ أقدم منه، مثل أبي العباس الأصم، المتوفى سنة ٣٤٦هـ قبل ابن حبان بنحو ٨ سنوات ـ، وهو من طبقة الحاكم تلميذ ابن حبان.
هذا المؤرخ القديم - المعاصر - سمى الكتاب بأول الاسم - على القطعة
_________
(١) هو الحافظ العالم أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن ادريس، محدث سمرقند، ومصنف «تاريخها» كان حافظا جليل القدر، كثير الحديث، توفي مع الحاكم أبي عبد الله في سنة واحدة، سنة ٤٠٥هـ.
ترجمَهُ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (٣/ ٢٤٩ـ٢٥٠)، والسمعاني في «الأنساب» «ورقة٢٢».
قلنا: وفي «سير أعلام النبلاء» (٧/ ٢٢٦) - للذهبي ـ: «أبو سعد»، وهو الأرجح - إن شاء الله ـ.
1 / 11
التي أشرنا إليها ـ.
والظاهر أنه قال هذا في كتابه الذي صنفه في «تاريخ سمرقند».
وما يُدرينا! لعل الحافظ الذهبي اختصر اسم الكتاب، فذكر أوَّلَهُ - فقط - «المسند الصحيح»، إذا كان أبو سعيد الإدريسي ذكره كاملا!
لكن القرائن تكاد تقطع بصحة ما اسْتَيْقَنَّا، لذكر كلمة «المسند الصحيح» في كلام الإدريسي ولذكر اسم «التقاسيم والأنواع» على ألسنة المحدثين عامة، فهما جزءان من اسم الكتاب، وليس واحد منهما بمفرده اسمًا كاملا له.
والأمير علاء الدين الفارسي لم يصنع في كتاب ابن حبان غير الترتيب والتبويب المستحدث، لم يَخْرِمَ منه كلمة، ولم يُسْقِطْ منه حرفًا (١)، أثبت الكتاب - كُلَّهُ - بنصِّهِ - في مواضعه في الكتاب الجديد، حتى الخطبة، وما بعدها، وخواتيم الأقسام؛ أثبتها - كلها - في مقدمة «الإحسان»؛ فكان كتابه كما كان أصلُهُ «صحيح ابن حبان».
_________
(١) وهذا تنبيهٌ مهمٌّ جدًا.
وقارن بما سيأتي (ص٢٥ - ٢٦)
1 / 12
«صحيح ابن حبان»
ـ ومنزلته بين «الصحاح»
و«صحيح ابن حبان» كتاب نفيس، جليل القدر، عظيم الفائدة، حرَّرَهُ مؤلفه أدق تحرير، وجوَّده أحسن تجويد، وحقق أسانيده ورجاله، وعلل ما احتاج إلى تعليل من نصوص الأحاديث وأسانيدها، وتوثق من صحبة كل حديث اختاره على شرطه، ما أظنه أخل بشيء مما التزم، إلا ما يخطئُ فيه البشر، وما لا يخلو منه عالم محقق.
وقد رتب علماء هذا الفن ونقاده هذه الكتب الثلاث - التي التزم مؤلفوها رواية الصحيح من الحديث وحده - أعني: الصحيح المجرد - بعد «الصحيحين»: البخاري ومسلم - على الترتيب الآتي:
«صحيح ابن خزيمة».
«صحيح ابن حبان».
«المستدرك» - للحاكم ـ.
ترجيحًا منهم لكل كتاب منها على ما بعده، في إلتزام الصحيح المجرد، وإن
1 / 13
وافق هذا - مصادفة - ترتيبهم الزمني، عن غير قصد إليه (١).
ولست أدري! أيَسْلَمُ لهم ما ذهبوا إليه من تقديم «صحيح ابن خزيمة» في درجة الصحة على «صحيح ابن حبان»؟! فلعله؛ فإني لم أرَ «صحيح ابن خزيمة»، حتى أتأمله، وأقطع فيه برأي، أو أُرَجِّحَ، والأنظار تختلف.
ولكني أستطيع أن أجزم - أو أرجح - أن ابن حبان لتصحيح الحديث في كتابه شروطا دقيقة واضحة بينة، وأنه وَفَّى بما اشترط - كما قال الحافظ ابن حجر (٢) - إلا ما لا يخلو منه عالم أو كتاب، من السهو والغلط، أو من اختلاف الرأي في الجرح والتعديل، والتوثيق والتضعيف، والتعليل والترجيح.
وسترى شروطه في مقدمة كتابه - إن شاء الله ـ؛ فقد ساقها الأمير علاء الدين الفارسي بنصها - حرفًا حرفًا ـ.
وهو - فيما رأينا من كتابه - قد أخرج كتابه مستقلًا، لم يبنه على «الصحيحين» ولا على غيرهما، إنما أخرج كتابا كاملا.
وفي «الشذرات» - في ترجمة ابن حبان ـ: «وأكثر نُقَّادِ الحديث على أن
_________
(١) وقد ساق الشيخ أحمد شاكر ﵀ في المقدمة (ص١١ـ ١٤) - هنا - في أكثر من ثلاث صفحات - نقولا عن عدد من أهل الحديث - في تقرير هذا الترتيب، ومناقشته؛ مما لم نر - في هذا المقام - فائدة (عُظمى) في إثباته.
(٢) فيما نقله عنه السيوطي في «تدريب الراوي» (ص٣١ ـ٣٢)، وحاجي خليفة في «كشف الظنون» (٢/ ٧٧) - في نقل الشيخ شاكر في (مقدمته) (ص١٣) ـ.
وأصل النص في «النكت على ابن الصلاح» (١/ ٢٩٠) للحافظ ﵀.
1 / 14
«صحيحه» أصحُّ من «سنن ابن ماجه»).
وأما الحاكم أبو عبد الله؛ فإنه بنى كتابه «المستدرك» على «الصحيحين»؛ التزم فيه إخراج أحاديث لم يُخَرِّجْهَا واحد منهما، على أن تكون على شرطهما، أو شرط أحدهما - كما هو ظاهر من صنيعه، ومن اسم كتابه ـ.
وعندي: أنه لم يتساهل في التصحيح - كما نبزه كثير من العلماء ـ؛ وإنما خَرَّجَ كتابه مُسَوَّدَةٌ لم تُبَيَّضْ (١)، ولم تحرر! فكان فيه ما كان من تصحيح أحاديث ضعاف، ومن إخراج أحاديث أخرجها الشيخان، أو أحدهما.
وقد استدرك عليه الحافظ الذهبي في «تلخيصه» كثيرا مما أخطأ فيه، ولم يَخْلُ استدراك الذهبي (٢) - نفسه - أيضا - من خطإ في التصحيح أو التضعيف، والجرح أو التعديل؛ كما يتبين ذلك لمن مارس الكتاب، وتتبع كثيرا منه.
وليس هذا مقام تفصيل ذلك (٣).
_________
(١) انظر كلام الحافظ ابن حجر - في ذلك - في «لسان الميزان» (٥/ ٢٣٣)
(٢) فقد قال الذهبي في «السير» (١٧/ ١٧٦) - عن «تلخيصه» هذا ـ: «ويعوز عملا وتحريرا».
(٣) ثم قال الشيخ أحمد شاكر في مقدمته (ص١٥):
«ثم إن ابن حبان بنى كتابه على ترتيب غير معهود لأهل العلم: بناه على خمسة أقسام، تنطوي على أربع مئة نوع، وتفنَّنَ ماشاء في التقسيم والتنويع).
ثم نقل عن بعض أهل العلم ما يبين ذلك؛ مشيرا ﵀ إلى أن قصد ابن حبان - في ترتيبه - لتسهيل حفظه - لم يتحقق له!! بل العكس هو الذي جرى؛ تعسيرًا وصعوبة!! - قائلًا ـ: «ولعل هذا أحد العوامل في ندرة نسخه».
1 / 15
«الإحسان. . .»
ـ للأمير علاء الدين ـ
وعن ذلك: كان ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي إياه - على الكتب والأبواب - عملًا جليلًا - حقًّا ـ؛ قرَّبَ الكتاب لطالبيه، وحافظ على أصله، بدقة الرجل العالم الثقة الأمين.
وخير ما فيه أنه أثبت عناوين الأحاديث التي كتبها ابن حبان، بنصها - كاملة ـ.
وفي هذه العناوين فقه ابن حبان وعلمه بالسنة - على المعنى الكامل التام ـ.
وأثبت - أيضًا - كل ماكتب ابن حبان بعقب الأحاديث، وهو شيء كثير، بعضه في الكلام على الرجال، وبعضه تفسير دقيق لمعاني الحديث، وبعضه تعليل فني من وجهة النظر الحديثية، إلى غير ذلك من النفائس والطرائف.
ـ (الإحسان) فهرس حقيقي لـ «صحيح ابن حبان»:
وشيء آخر دقيق عجيب نادر، صنعه الأمير علاء الدين، لم أكن لأظن أن أجده في شيء من كتب المتقدمين، وهو الفهرس الحقيقي الكامل:
1 / 16
فقد يعلم بعض القارئين أني تحدثت في مقدمات بعض كتبي - وغيرها ـ، - كمقدمة شرحي لـ «سنن الترمذي» - في شأن الفهارس، وغلط أهل هذا العصر في ظنهم أنها عمل إفرنجي طبَّقه المستشرقون على كتبنا التي قاموا بنشرها وبيَّنت أن فكرة الفهارس فكرة عربية إسلامية، لم يعرفها الإفرنج، ولاخطرت ببالهم إلا في عصور متأخرة، وأن العرب سبقوهم بقرون طوال في ترتيب اللغة على الحروف في المعاجم، وفي كتب التراجم - وغيرها - على الحروف، كما صنع الخليل بن أحمد - ومن تبعه - في اللغة - (١)، وكما صنع البخاري - ومن تبعه - في التراجم - (٢).
وبينت أن هذه محاولات للفهارس، لم يمنعهم عن جعلها فهارس حقيقية إلا عدم وجود المطابع.
أما هذا الكتاب - «الإحسان» ـ؛ فقد وجد مؤلفه الأمير علاء الدين الفارسي أمامه كتابا منظما على التقاسيم والأنواع، ولأقسامه وأنواعه أرقام، فواتته الفكرة السليمة، وأسعفه العقل النير، فجعل كتابه فِهْرِسًا حقيقيا لكتاب ابن حبان؛ فوضع بإزاء كل حديث رقم النوع الذي رواه فيه ابن حبان، وبين القسم الذي فيه النوع (٣).
_________
(١) في كتابه: «العين».
(٢) في كتابه: «التاريخ الكبير».
(٣) وقد ساق الشيخ أحمد شاكر في مقدمته (ص١٨) نص كلام الأمير علاء الدين في بيان طريقة فهرسته، وترتيبه، وهي - تامة - هنا - فيما يأتي من مقدمة الأمير (ص١٤٠)
1 / 17
فهذا فهرس حقيقي، صنعه عقل منظم دقيق، نافذ لماح.
ولا أذكر أني رأيت فهرسًا - على هذا النحو - لمؤلف أقدم من الأمير علاء الدين (١).
وبعد - مرة أخرى - (٢):
فسأبذل كل ما أستطيع من جهد ومعرفة - إن شاء الله - في تحقيق «صحيح ابن حبان» - بترتيب الأمير علاء الدين ـ؛ لعلي أوفَّق لإخراجه صحيحًا معتمدا عند أهل العلم (٣)
_________
(١) وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر في (مقدمته) (ص١٨) صنيع بعض علماء القواعد الفقهية - في بعض الكتب - شيئا من ذلك، ثم قال: (وما ندري! لعل في علمائنا الأقدمين من أمثال هذا كثير؛ خصوصا للكتب التي رتبها مؤلفوها على أقسام أو أنواع مرقمة معدودة، كما صنع ابن حبان في «التقاسيم»، وابن رجب في «القواعد»).
(٢) وكان الشيخ شاكر ﵀ قد كتب في (المقدمة) - قبل هذا - (ص١٩ - ٢٠) - فصلا صغيرا حول (الكتب التي ألفت على «صحيح ابن حبان») - بعد كتاب «الإحسان») ـ؛ فذكر منها: «موارد الضمآن» - للهيثمي ـ، و«مختصر ابن الملقن» - لـ «الصحيح» ـ، ثم كتاب ابن الملقن في تراجم رجال ابن حبان - مع رجال كتب أخرى ـ، واسمه: «إكمال تهذيب الكمال».
وكتاب «الموارد» - المشار إليه - خَدَمَهُ خِدمةً جُلى شيخنا الإمام مؤلف «التعليقات الحسان» ﵀، وذلك في كتابيه: (صحيح «موارد الضمآن»)، و(ضعيف «موارد الضمآن») - وضِمنهما المستدرك عليهما: «الزوائد على الموارد» - وهما مطبوعان سائران.
(٣) وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر ﵀ في (مقدمته) (ص٢١) نبذة موجزة عن منهجه في تحقيق الكتاب، وتراجم رجاله، وما يتصل به.
ثم توفي - تغمده الله برحمته - دون إكمال أي مجلد آخر غير هذا المجلد - الأول - الصغير - الذي يبلغ عدد صفحاته نحوا من ثلاث مئة صفحة.
1 / 18
وسنجعل لأحاديث الكتاب - «الإحسان» - أرقاما متتابعة من أول الكتاب إلى آخره - إن شاء الله - بجوار أول كل حديث، كعادتي في كتبي.
وأما أرقام الأنواع، التي وضعها الأمير علاء الدين، فإننا سنثبتها بجوار كل عنوان من عناوينه، - كما سيجيء ـ؛ فنجمع بين الفائدتين، ونحرص على الميزتين - إن شاء الله ـ.
وأسأل الله - سبحانه - الهدى والسداد - والتوفيق والعون، وأن يجنبنا مزالق القلم واللسان، وأن ينصر الإسلام والمسلمين.
1 / 19
ترجمة
الأمير علاء الدين الفارسي (١)
ـ مؤلف «الإحسان» ـ
(٦٧٥ـ٧٣٩هـ)
هو الأمير علاء الدين أبو الحسن، علي بن بلبلان بن عبد الله، الفارسي، المصري، الحنفي، الفقيه النحوي المحدث.
كان من أول المتبحرين أصولا وفروعا، عديم النظير، فقيد المثيل.
_________
(١) مصادر الترجمة:
«الجواهر المضية في طبقات الحنفية» - لعبد القادر بن أبي الوفاء القرشي المصري ـ، ولد سنة ٦٩٦ هـ، وتوفي سنة ٧٧٥ هـ، طبعة حيدر آباد بالهند سنة ١٣٣٢هـ (١/ ٣٥٤، ٣٥٥)، «الدرر الكامنة» - للحافظ ابن حجر العسقلاني - (٣/ ٣٢)، «السلوك» - للمقريزي - (٢/ ٢/٤٧٠)، «النجوم الزاهرة» - لابن تغري بردي ـ، طبعة دار الكتب المصرية (٩/ ٣٢١)، «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة» - للسيوطي - (ص٣٣١)، «حُسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة»، - للسيوطي طبعة مصر سنة ١٢٩٩هـ (١/ ٢٦٧)، «الفوائد البهية في طبقات الحنفية» - للعلامة محمد عبد الحي اللكنوي الهندي ـ، طبعة مصر سنة ١٣٢٤هـ (ص ١١٨).
1 / 20
ولد سنة ٦٧٥هـ
وأخذ الفقه عن الفخر بن التركماني، وشمس الدين أبي العباس أحمد السروجي، وقرأ النحو على أبي حيان، والأصول على العلاء القونوي، وسمع الحديث من الحافظ الدمياطي، ومحمد بن علي بن ساعد، وبهاء الدين بن عساكر، - وغيرهم ـ.
وقال الحافظ الذهبي في «المعجم المختص»:
«سمع بقراءتي من البهاء بن عساكر، وكان تركيا عالما وقورا».
وقال الذهبي - أيضًا ـ:
«كان جيد الفهم، حسن الذاكرة، مليح الشكل، وافر الجلالة».
وقال الحافظ ابن حجر:
«صحب أرغون النائب، وعظُمت منزلته في أيام المظفر بيبرس٠٠٠وكان قد عُيِّنَ مرة للقضاء؛ لسكونه وعلمه وتصونه».
ووصفه معاصرُهُ ابن أبي الوفاء القرشي - وهو من طبقة تلاميذه - بأنه:
«الأمير الفقيه الإمام، تفقه على السروجي - وغيره ـ؛ كقاضي القضاة القونوي الشافعي، ورشيد الدين بن المعلم، ونجم الدين بن اسحاق الحلبي.
وأفتى، وحصَّلَ من الكتب جملة، وجمع وأفاد».
وقال - أيضًا ـ: «رتب «التقاسيم والأنواع» لابن حبان، ورتب «الطبراني» ترتيبًا حسنًا على أبواب الفقه».
1 / 21