أحاطت بي سحابة من بخار ساخن معطر. رقدت على قطعة من قماش صوفي. اقترب مني عملاق عاري الصدر. انحنى فوقي وأخذ يطقطق مفاصلي، ثم بدأ يدلك جسمي بقفاز صوفي، كان يضغط علي بقوة حتى خيل إلي أن جلدي سينفصل عن جسمي. وتوالى سقوط خيوط سوداء من جلدي.
انتقلت غارقا في عرقي إلى حجرة مجاورة حيث سكب على رأسي رغاوى صابون معطر وخرج. وكان بالحجرة صنبوران؛ واحد للماء الساخن والثاني للماء البارد فاغتسلت، ثم هبطت في مغطس مليء بمياه شديدة السخونة، وانتقلت منه إلى مغطس آخر من المياه الباردة. ارتديت قميصا وعدت إلى الحجرة الأولى. جلست فوق حشية موسدة فوق أريكة حجرية. وقدم لي الخادم النارجيلة وفنجانا من القهوة.
كان بجانبي شيخ أصلع ذو لحية عظيمة. وكان يتبادل الحديث بصوت خافت مع زميل له شديد البدانة.
أنصت لحديثهما، وتبنيت أن الشيخ الأصلع يعدد ما فرضه الفرنساوية من مقررات على المواريث والموتى، وعلى الرزق والأطيان والهبات والمبايعات والدعاوى والمنازعات والمشاجرات والإشهادات. وقال: إن المسافر لا يسافر إلا بورقة، ويدفع عليها قدرا، وكذلك المولود إذا ولد، ويقال له: «إثبات الحياة»، وكذلك المؤجرات وقبض أجر الأملاك، وغير ذلك، أي على كل شيء.
انضم إليهما شيخ جليل معلقا على أخبار وصول الإنجليز والأتراك إلى الإسكندرية، وتدميرهم لمراكب الفرنساوية. وتطلع البدين نحوي وسمعته يقول لزميله بصوت خافت إن الفرنساوية سيقطعون لسان من يردد هذا الخبر أو يتكلم في هذا الشأن.
تساءل الشيخ الثالث: هل سمعتما قصة رسول السلطان؟ وضحك. قال: إن أغا يونانيا حضر من الإسكندرية، فمر بالشارع وذهب لزيارة المشهد الحسيني. واستغرب الناس هيئته وقالوا إنه رسول من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر. وبلغ بونابرته أن هناك مكتوبا من السلطان ورد إلى بعض المشايخ فركب من فوره في خيوله وعساكره وحضر إلى بيت الشيخ السادات، وأثناء مروره بباب المسجد وجد الناس متجمعين داخله وخارجه. وعندما رأوه تصايحوا بصوت عال: الفاتحة! ويقصدون الدعاء بقدوم الأتراك وخروج الفرنساوية. وبهت بونابرته وسأل من معه عن الأمر . ولم يفهم المترجمون بالطبع واقع الحال أو لم يريدوا إغضابه، فقالوا له: إنهم يدعون لك؛ فصدقهم وانصرف.
ضحك الجميع ثم انتبه الشيخ لوجودي فلزم الصمت وهو يحدج رفيقيه بنظرات ذات مغزى. وما لبثوا أن غيروا كلامهم. وحكى الشيخ تفاصيل ما جرى للشيخ المحروقي شهبندر التجار الذي اغتنى من تجارة الصادرات والواردات، وكيف رافقه بعض الأعراب أثناء عودته من الحج لحمايته، وفي الطريق نقضوا عهدهم، ونهبوا حمولته، واستولوا على البضائع التي أحضرها من الحجاز وعلى ما معه من أموال. وفقد الرجل نحو ثلاثمائة ألف ريال فرانسة. قال الآخر: إن الله منتقم جبار، فهو يعمل في تجارة الحرائر ولما حصل الطاعون استولى على بيت شريكه وزوجاته وتجارته ثم خدم مراد بك وإبراهيم بك وصار من كبار الأثرياء.
غادرت القاعة فوجدت ملابسي قد تعطرت بدخان خشب المر. ورش الخادم رأسي وكل جسمي برغاوى الصابون المعطر. دفعت عشر بارات وعزائي أن الجبرتي يدفع في الحمام الذي يتردد عليه 30 بارة.
الأربعاء 26 سبتمبر
منذ أربعة أيام احتفل الفرنساوية بعيدهم فأقاموا صاريا كبيرا وسط بركة الأزبكية قال عنه العامة إنه الخازوق الذي أدخلوه فينا. وضربوا مدافع كثيرة، وتجمعوا عند الصاري الكبير، وعند العشاء عملوا حراقة بارود وصواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من القار ومدافع كثيرة.
अज्ञात पृष्ठ