فراسة الشعر
لا يخفى أن التنفس منبع الحرارة الحيوانية، وبانقطاعه انقطاع الحياة، فمرجع الهمة والنشاط إلى التنفس والدفء، فكلما يخزن الحرارة في أجسامنا يزيد في همتنا ونشاطنا.
والحيوانات تشترك في شيء واحد يعمها جميعا وهو الشعر، فالشعر أو ما قام مقامه كالفرو والريش في بعض الحيوانات والطيور من حافظات الحرارة، وبالنتيجة فهو حافظ للهمة والنشاط.
شكل 60: منبت شعر في الجلد.
الشعر والقوة:
ومن الحقائق المقررة بالمشاهدة أن أشرس الحيوانات أغزرها شعرا ، وأن نوابغ الأذكياء خفيفو الشعر إلا نادرا ، يستدلون على صدق ذلك بالجاموس الأمريكي؛ فإنه غزير الشعر ويستحيل أن يكون أليفا مهما أجهد المرء نفسه في تهذيبه، مع أن الأسد وهو ملك الحيوانات وسيدها قد يألف، والإنسان قليل الشعر كثير الذكاء والدهاء.
ولما كان الشعر من حافظات القوى كما تقدم، فمن الواجب أن يكون كثير الشعر نشيطا قوي البنية، وخفيفه داهية حاذقا في كل ما يقتضي إعمال الفكرة، وإليك الدليل.
من يطالع تاريخ رجال إنكلترا يجد أكثر عظمائهم ونوابغهم خفيفي اللحية والشاربين. وللقارئ أن يبحث بين أصدقائه وخلانه ممن يعرف أخلاقهم ومقدرتهم فيرى صحة هذا القول، أما غزير الشعر فإنه ميال إلى الأعمال التي لا تقتضي إجهاد العقل، والعكس بالعكس.
ولزيادة الإيضاح نضرب مثلا: أكثر القراء يعرفون مثل عيسو ويعقوب في التوراة، فقد كان عيسو شعرانيا ويعقوب بعكس ذلك، وكان عيسو شجاعا ميالا إلى الحرب والغزو وجبار بأس، ولكنه ضعيف الرأي؛ فلما عضه الجوع مرة باع بكوريته على ما كان لها من المنزلة في عيون القوم لذلك العهد.
أما يعقوب أحد التوأمين فكان بعيد الشبه من أخيه، مع أن المتبادر إلى الذهن أن التوأمين يتشابهان لا في المنظر فقط بل في الأخلاق أيضا، فإنه كان محبا للعزلة والانفراد «قعيدة بيت» ولم يبد منه ميل إلى القنص والصيد مع شيوع تلك العادة في ذلك الزمان، ومن المعروف أن قعيدة البيت يكثر التأمل والتفكر وقواه الجسدية تضعف وتنحل.
अज्ञात पृष्ठ