فانسحب العلام أقرب إلى المطرقة منه إلى المنتصر، عبر أبهاء قصر الزناتي وحرسه، وعيونه تقطر حسرة وألما، كان يجاهد في إخفائهما عن العيون المتطلعة المحيطة: عموا مساء.
عند البوابة الخارجية للقصر أخذ العلام موكبه مقررا العودة إلى قصره وهو يشعر بالتعب والإرهاق: أنام مثل الناس.
وزفر متنهدا شاردا في عزيزة مقررا العودة عبر الطريق الأقرب لقصرها، كما كان يحلو له في سابق أيامه الخوالي معها.
وحين قارب العلام القصر وجده مضيئا على غير عادته فغمغم لنفسه: ما تزال صاحية، عزيزة.
وعندما وصلت إلى أذنيه نغمات أندلسية غريبة عذبة الإيقاع، توقف طويلا منصتا بكل جوارحه محاولا تعرف الصوت، فما من مغنية بارزة لا يعرفها العلام: من تكون؟!
ظل يواصل اقترابه عبر بساتين قصر العزيزة العطرة مختبئا بين الأشجار متقدما مستمعا، إلى أن أصبح ما بداخل القصر تحت كامل بصره وسمعه: عجايب!
أربعة أشخاص لا يعرفهم وعزيزة وسعدى معهم يأكلون ويغنون، رجل في منتصف العمر، مرح يفيض حيوية وحبورا، وثلاثة شباب كالبدر وجارية حسنة الصوت والموشحات. تراجع العلام مغمغما لنفسه وقد آلمته أضراسه فجأة: جواسيس بني هلال! هم بذاتهم، هم، هم.
كان أبو زيد ورفاقه قد رافقوا الدلال اليهودي الذي اصطحبهم بعربته المطهمة التي تجرها أربعة خيول اندفعت بهم عبر شوارع قرطاج وبساتينها وحاراتها إلى أن شارفت قصر العزيزة الباهر المنعزل، فترجلوا حسب طلب الدلال بين بساتينه يأكلون ما شاء لهم من فاكهة على غير أوانها: كلوا، كلوا.
واستأذنهم في عرض أمر عقد الزمرد الذي في حوزة يونس على الأميرة عزيزة قبل مفاجأتها من قبل الجميع والدخول عليها على حين غرة، خاصة وأنهم غرباء، قائلا: عذرا، ضيوف.
ثم تابع الدلال لكبيرهم «أبي زيد» موضحا: غرباء.
अज्ञात पृष्ठ