المنصب والسلطة
ليس بوسع أعنف الزلازل ولا أعتى السيول أن تلحق من الخراب ما يلحقه المنصب والسلطة حين يقعان في أيدي الأشرار، «فإذا تصادف أن وقعت المناصب لرجال أمناء فلا شك أن الخير الوحيد فيها إذاك هو أمانة الرجال الذين يتولون المناصب، يترتب على ذلك أن الشرف لا يأتي إلى الشريف من المنصب بل يأتي إلى المنصب من الشريف.»
لماذا يتحرق أغلب الناس إلى المناصب؟ ألأبهتها ونفوذها؟ ولكن على من تريدون أن تمارسوا الأبهة والنفوذ؟ «أليس من المضحك أن تروا مجتمعا من الجرذان وقد انبرى جرذ منهم يدعي لنفسه حق التسلط عليهم والتحكم في شئونهم؟ أتحبون التمتع بسلطة البطش والانتقام؟ وهل هناك شيء يمكن أن توقعه بأحد وأنت بمأمن ألا يقع لك يوما على يد شخص آخر؟» «لو كانت المناصب خيرا بطبيعتها لما وقعت في أيدي الأشرار ... أم تريد المنصب لكي تنعم بالكرامة والتبجيل، وتتميز عن الناس بالأبهة والشرف؟ فاعلم أنك إذا أردت أن تتألق في أبهة المنصب فسوف يتعين عليك أن تنبطح لمن أنعم عليك به: أي أنك إذا أردت أن تفوق الآخرين في الشرف والكرامة سيكون عليك أن ترخص نفسك وتهينها بالتزلف!»
إذا لم تكن نفسك كبيرة بذاتها فلن ينفعها المنصب، وعندما يوسد المنصب إلى غير أهله فإنه لا يجعل منه أهلا على الإطلاق، بل يفضحه لا أكثر ويكشف ضعفه وضآلته. «الكرسي الواسع هو أول الشامتين بصاحبه.»
المجد والشهرة
أما الشهرة فمجيئها، في الأغلب، اعتباطي وبقاؤها غير مضمون، والأغلب أن تكون زائفة يكتسبها غير أهلها من خلال الآراء الزائفة للدهماء، ثم تنهكه في محاولة الحفاظ عليها، وما قيمتها عندما ينتهي المرء إلى الموت الذي هو نهاية كل شيء؟ وكم هي هزيلة في كل حال ولا وزن لها: فمهما امتد صيتك في الأرض ودوى في التاريخ فإنه صفر حين يقاس إلى لا نهاية المكان، وصفر حين يقاس بأبدية الزمان.
الشهرة؟ ... الأضواء؟ ... إنها البرص الذي يهرب منه الفيلسوف، والعهر الرخيص الذي يتأفف منه كل من أحصنته الحقيقة.
الملك
يقول شكسبير: «لا يستقر قرار للرأس الذي يحمل التاج.»
قسط الملوك من الشقاء أكبر من غيرهم، فهم يعيشون تحت حد السيف، وهل تعده قويا ذلك الذي لا يمشي إلا مخفورا بحرس؛ لأنه أشد خوفا من رعاياه الذين يرهبهم، والذي لا بد له، لكي يبدو قويا، من أن يعيش تحت رحمة من يخدمونه؟ ألا ما أبشع هذا السجن وما أوحشه!
अज्ञात पृष्ठ