87

بل نقول لا نسبة للذات العقلية إلى الحسية ، كيف لا والعقل يدرك الشيء على ما هو عليه مجردا عما هو غريب له من القشور واللبوسات ، فينال حاق جوهره ولب ذاته ، وأما الحس فلا يدرك إلا الخلطاء ، ولا ينال إلا المشوبات بالغير ، فلا يحس باللون ما لم يحس معه بالطول والعرض ، والوضع والأين ، وبأمور أخرى غريبة عن حقيقة اللون.

وأيضا فإن إدراك العقل يطابق المدرك ، ولا يتفاوت ، والحس يرى الشيء الواحد عظيما في القرب ، صغيرا في البعد ، وكلما صار أبعد يراه أصغر إلى أن يصير بسبب البعد كنقطة ، ثم تبطل رؤيته ، وكلما صار أقرب كان أعظم إلى أن يصير بسبب القرب ساترا لنصف العالم ، ثم تبطل رؤيته.

وأيضا فإن مدركات العقل الأرواح الباقية الأزلية التي يمتنع فناؤها ، والذوات الثابتة النورية التي يستحيل تغيرها ، وهي تقوي العقل وتزيده نورا ، كلما كثرت.

وأما مدركات الحس فهي الأجسام المتغيرة الفانية ، وأعراضها المادية المستحيلة الزائلة ، وهي تفسد الحس إذا قويت لذته ، فإن لذة العين مثلا في الضوء ، وألمها في الظلمة. والضوء القوي يفسدها. وكذا الصوت القوي يفسد السمع ويمنعه من إدراك الخفي بعد.

पृष्ठ 107