============================================================
وأتم الجميع فى هذا : نبينا صلوا الله وسلامه عليه.
وكل من كان من الأنبياء أتم ألفة كان أكثر تبعا.
ونبينا كان اكثرهم ألفة واكثرهم تبعا وقال: "تناكحوا تناسلوا قانى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة،(1).
وقد نبه الله تعالى على هذا الوصف من رسول الله ، فقال: (ولؤ كنت فظا غليسظ القلب لانفضوا ين حولك)(2).
وإنما طلب العزلة مع وجود هذا الوصف.
ون كان هذا الوصف فيه أقوى وأتم كان طلب العزلة فيه أكثر فى الابتداء.
ولهذا المعنى حبب إلى رسول الله الخلوة فى أول أمره، وكان يخلو في غار حراء، ويتحنث الليالى ذوات العدد، وطلب العزلة لا يسلب وصف كونه آلقا مألوفا، وقد غلط فى هذا قوم ظنوا أن العزلة تسلب هذا الوصف، فتركوا العزلة طليا لهذه الفضيلة وهذا خطا.
وسر طلب العزلة لمن هذا الوصف فيه أتم من الأنبياء ثم الأمتل فالأمثل ما أسلفنا فسى أول الباب: أن فى الإنسان ميلا إلى الجنس بالوصف الأعم، فلما علم الحذاق ذلك ألهمهم الله تعالى محبة الخلوة والعزلة لتصفية النفس عن اليل بالوصف الأعم لترتقى الهمم العالية عن ميل الطباع إلى تألف الأرواح، فإذا وفوا التصفية حقها اشرأبت الأرواح إلى جنسها بالتألف الأصلى الأولى، وأعادها الله تعالى إلى الخلسق ومخالطتهم مصفاة: واستنارت النفوس الطاهرة بأنوار الأرواح، وظهرت صفة الجبلة من الألفة المكملة آلفة مألوفة فصارت الألفة من أهم الأمور عند من يألف فيؤلف.
ومن أدل الدليل على أن الذى اعتزل آلف مألوف، حتى يذهب الغلط عن الذى غلط فى ذلك وذم العزلة على الإطلاق من غير علم بحقيقة الصحبة وحقيقة العزلة فصارت العزلة مرغوبا فيها فى وقتها، والصحبة مرغوبا فيها فى وقتها.
قال محمد بن الحنقية - رحمه الله- : ليس بحكيم من لم يعاشر بالممروف من لا يجد فى معاشرته بذا، حتى يجعل الله له منه مخرجا.
(1) رواه الطبرانى والططيب اليقدادى (2) من آية 159 من سورة آل عمران.
पृष्ठ 226