جرب عربات القطار القديمة المركونة صدئة على القضبان لا تستعمل، وتحمل «العلق» التي كثيرا ما كان الخفراء يوقظونه بها، حتى هجر السكك الحديدية، وجرب أسفل عربات النقل في «الدراسة» والفجوات الكائنة في سور «فم الخليج» والمقابر والخرائب وحظائر المواشي في «المدبح»، وأشياء، وأماكن كثيرة جربها، وكان البشر دائما يطاردونه كما يطارد الكلب المسعور أو الأجرب.
كان طفش.
منذ أن طرده زوج أمه وهو يطفش.
كان يحب أمه، وكانت أمه تحبه، وأبدا لم ير أباه، إلى أن جاء ذلك الرجل، وبدأت أمه تبدو ضعيفة لا حول لها ولا قوة أمامه. سكران يأتي هائجا، ومسطولا مرة، يأتي ويفرغ هياجه وسطله في أعماق أمه المسجاة تتلوى، يأتيه صوت أنينها ولهاثها، وقد أحاله وأحالها الزوج الجديد إلى سائل أنثوي ذائب من لحم طيع وقلب بدأ بالتدريج يلين، وعنه يتحول ويبتعد.
هكذا أحس وظل يحس. كل يوم قلب أمه عنه يتباعد، وناحية الرجل ونزواته العارمة يقترب، ويتشكل، ويستجيب، ويتميع، حتى صحا يوما فوجد الرجل قد أخذ أمه تماما مثلما أخذ الموت أباه. وحين أثمر الزواج الجديد طفلا انتفخ له بطن أمه، أدرك أن الشعرة التي كانت تربطه بذلك البيت «الحجرة» قد انقطعت، وأجبره الرجل على ترك المدرسة والعمل كصبي نجار. واستغاث بالأم مستنجدا، ولم يفاجأ أبدا وهي تصيح فيه صارخة طالبة منه أن يخرس حتى لا يوقظ الرضيع. ومالها النجارة؟! على الأقل تعلمك، يا بن الكلب، حرفة. ابن الكلب يا أمي، أصبح أبي هو الكلب. دامع العينين قبل، ولكن النجار كان قاسيا، وكان هو كثير السرحان والتوهان، وبالشاكوش أحيانا، وأحيانا بفردة القبقاب ومعه أقبح الشتائم كان يضربه.
وطفش.
صاحب أولادا من جامعي الأعقاب والمتسولين، وعمل صبيا في محلات، وأرغموه على أن يدفع ثمن مبيته لدى أيهم من لحمه وكرامة الرجل الطفل الذي كبرته الأيام بسرعة، يدفع الشيء الكثير.
ومرة أخرى طفش.
من كل طفشان كان يطفش، من الأعور الذي حاول أن يعلمه النشل طفش، من الأعمى الذي حاول أن يجعله يسحبه، ويشحذا معا، طفش، فكثيرا ما كان يدفعه من ظهره بعضوه البارز أبدا. من المرأة التي أخذته ليلة وفي حضنها أدخلته روع وطفش. والمشكلة لم تكن طفشان النهار، فمن أكوام القمامة تعود أن يجد دائما في الأكوام ما يأكله، لا، لم يكن يفعل كالكلاب الضالة والقطط. كان يعرف كيف يفتش وينتقي، ودائما ما كان يعثر على شيء طازج، أو بالقليل غير حامض، في بحر النيل يغسله وينظفه، حتى قطع الخبز كان يغسلها وينظفها ويدعها للشمس تجففها وتسخنها استعدادا لمأدبة قادمة حافلة.
المشكلة في الليل والمأوى.
अज्ञात पृष्ठ