قال الفخري: إن أحمد بن أبي خالد لما تولى طاهر خراسان حسب هذا الحساب؛ فوهب له خادما وناوله سما وقال له: متى قطع خطبة المأمون فاجعل له هذا السم في بعض ما يحب من المآكل، فلما قطع طاهر خطبة المأمون جعل الخادم له السم في كامخ، فأكل منه فمات في ساعته، ووصل الخبر على البريد بموته إلى المأمون بعد أيام، فكان ذلك مما عظم به أمر أحمد بن أبي خالد. فتأمل طريقة التخلص من الزعماء في ذلك الحين، ولاحظ كيف كانت عندهم خاتمة الحياة لمن يتبرمون لهم من كبار القواد والوزراء، ولتعلل بعد ذلك لم أقفرت البلاد من قادتها وكماتها، ولم أضحت الكلمة النافذة فيما بعد للغلمة الأتراك وغيرهم من الغرباء!
وكان أحمد بن أبي خالد إلى جانب كفايته وبصره بالأمور مصابا بالشره، وقد قال أحد المعاصرين لما ناقب المأمون أحمد بن أبي خالد هذا: ما أظن أن الله خلق في الدنيا نفسا أنبل ولا أكرم من نفس المأمون، فلما سئل: لماذا؟ قال: لأنه عرف نفس الرجل، يعني أحمد بن أبي خالد، وشرهه فكان إذا وجهه إلى رجل برسالة أو في حاجة قال: ائته بالغداة واخلع ثيابك واطمئن عنده، فإن انصرفت وقد قمت فاكتب إلي بجواب ما جئت به في رقعة، وادفعها إلى فتح يوصلها إلي.
ومما ينسب إليه أنه ولى رجلا كورة عظيمة القدر بخوان فالوذج أهداه إليه، وقيل: إن جماعة من أهل كورة الأهواز شكوا عاملا كان عليهم فعزل وصار إلى مدينة السلام، فتكلموا فيه فأنهي خبرهم إلى المأمون، فأحضرهم وخصمهم وأمر أحمد بن أبي خالد بالنظر في أمورهم، فقال رجل من خصوم العامل: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك، تقدم إلى أحمد ألا يقبل من هذا الفاجر هدية حتى يقطع أمرنا، فوالله لئن أكل من طعامه رغيفا ومن فالوذجه جاما ليدحضن الله حجتنا على يديه، وليبطلن حقنا على يديه، فكان من جراء ما قاله متكلم الجماعة أن المأمون طلب إليهم أن يحضروا إليه يوم الأربعاء لينظر في شكايتهم بنفسه، وكان من جراء مثل هذه الشكاوى وما قيل في ابن أبي خالد من أنه «يقتل المظلوم ويعين الظالم بأكلة»، أن أجرى المأمون عليه في كل يوم ألف درهم لمائدته لئلا يشره إلى طعام أحد من بطانته أو من طعام الناس.
ومن طريف حوادثه مع المأمون، وهي تؤيد لنا صحة ما يرمى به من هذه الناحية وتدل على اقتناع المأمون بإصابته بها، ما يرويه لنا ابن طيفور في تاريخه قال: «حدثني بعض أصحابنا قال: قال المأمون يوما لأحمد بن أبي خالد: اغد علي باكرا لأخذ القصص التي عندك؛ فإنها قد كثرت لنقطع أمور أصحابها، فقد طال انتظارهم إياها. فبكر، وقعد له المأمون، فجعل يعرضها عليه ويوقع عليها إلى أن مر بقصة رجل من اليزيديين يقال له: فلان اليزيدي، فصحف وكان جائعا فقال: الثريدي، فضحك المأمون وقال: يا غلام! ثريدة ضخمة لأبي العباس؛ فإنه أصبح جائعا، فخجل أحمد وقال: ما أنا بجائع يا أمير المؤمنين، ولكن صاحب هذه القصة أحمق، وضع نسبته ثلاث نقط، قال: دع هذا عنك فالجوع أضر بك حتى ذكرت الثريد، فجاءوه بصحفة عظيمة كثيرة العراق
4
والودك، فاحتشم أحمد، فقال المأمون: بحياتي عليك لما عدلت نحوها، فوضع القصص ومال إلى الثريد، فأكل حتى انتهى والمأمون ينظر إليه، فلما فرغ دعا بطست فغسل يده ورجع إلى القصص، فمرت به قصة فلان الحمصي، فقال: فلان الخبيصي! فضحك المأمون وقال: يا غلام، جاما ضخما فيه خبيص؛
5
فإن غداء أبي العباس كان مبتورا، فخجل أحمد وقال: يا أمير المؤمنين، صاحب هذه القصة أحمق، فتح الميم فصارت كأنها سنتان! قال: دع عنك هذا؛ فلولا حمقه وحمق صاحبه لمت جوعا، فجاءوه بجام خبيص فخجل، فقال له المأمون: بحياتي عليك إلا ملت إليها! فانحرف فانثنى عليه وغسل يده ثم عاد إلى القصص، فما أسقط حرفا حتى أتى على آخرها».
وبعد، فإنا نستنبط - من هذه الرواية ومما جرى من الحديث بينه وبين المأمون في شأن أكلة ابن أبي خالد عند دينار بن عبد الله التي كلفت المأمون ألف ألف
6 - شره هذا الوزير الجليل.
अज्ञात पृष्ठ