وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله، فنحن لا نرد ذلك عليه؛ أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.»
وكيف يستطيع علي أن يدفع إلى معاوية قتلة عثمان؟! وماذا يكون موقفه أمام ذلك الحزب القوي الناقم على الخليفة المقتول؟! فلذلك كان من المعقول أن يقف رده أمام هذه المشكلة السياسية عند قوله: «أما ما سألت من دفعي إليك قتلته؛ فإني لا أرى ذلك؛ لعلمي بأنك إنما تطلب ذلك ذريعة إلى ما تأمله، ومرقاة إلى ما ترجوه، وما الطلب بدمه تريد.» (4) معاوية
لسنا نتعرض للحكم على دين معاوية ومبلغ تمشيه في تصرفاته السياسية وإقامته لحدود الله مع أحكام الشرع؛ فقد تكلم في ذلك فيه الشافعي والحسن البصري، وإنما نريد أن نمثل معاوية مؤسس الملكية في الإسلام، وواضع أسس السياسة الدنيوية، والذي قال فيه عمر بن الخطاب لجلسائه: «تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية!» (5) سياسة معاوية
كان معاوية ذا مواهب سياسية كبيرة، وكان داهية ذهنا بعيد مدى العقل، مالكا قياد أهوائه، كان «ذا مكر وذا رأي وحزم في أمر دنياه، إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف، وإذا خاف الأمر توارى عنه، وإذا خوصم في مقال ناضل عنه وقطع الكلام على مناظره»، كان يعمل جهده ليشتري ضمائر القبائل العربية، وكان كثير البذل في العطاء.
وقد ذكر الطبري حادثة نستطيع أن نستنبط منها نظر معاوية إلى المال وإلى مبلغ استعماله إياه ليملك به ضمائر أهل المكانة والنفوذ من معاصريه - ذكر أن أبا منازل قال له حينما أعطاه معاوية سبعين ألفا بينما أعطى جماعة من الزعماء ممن في مرتبته مائة ألف: فضحتني في بني تميم، أما حسبي فصحيح! أولست ذا سن؟! أولست مطاعا في عشيرتي؟! فقال معاوية: بلى، قال: فما بالك خسست بي دون القوم؟! فقال: إني اشتريت من القوم دينهم ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان - وكان عثمانيا - فقال: وأنا فاشتر مني ديني، فأمر له بتمام جائزة القوم.
كان سياسيا بطبيعته، معطاء وهوبا بسجيته، وقد صدق في صفته أبو الجهم الشاعر إذ قال:
نميل على جوانبه كأنا
نميل ولا نمين على أبينا
نقلبه لنخبر حالتيه
فنخبر منهما كرما ولينا
अज्ञात पृष्ठ