217

कैसर मामून

عصر المأمون

शैलियों

ويجدر بنا هنا أن نبين نتائج الحالة الحزبية بين الفريقين؛ فقد بلغ أبا إسحاق بن الرشيد أن الجماعة الطالبية التي أتت من اليمن للحج قد مرت بها قافلة من الحاج والتجار، وفيها كسوة الكعبة وطيبها، فاستلبت أموالهم وطيبهم، فندب لهم محمد بن عيسى بن يزيد الجلودي الذي أحدق بهم فأسر أكثرهم، وهرب من هرب منهم، وأخذ منهم الطيب وأموال التجار والحاج فوجه به إلى مكة، ودعا بمن أسر من أصحاب العقيلي العلوي فأمر بهم فقنع كل رجل منهم عشرة أسواط، ثم قال لهم: «اعزبوا يا كلاب النار، فوالله ما قتلكم وعر، ولا في أسركم جمال» وخلى سبيلهم. ولنلاحظ تسميته لهم ب «كلاب النار».

وإنا نلخص لك الحوادث التي وقعت بعد أن قمع هرثمة ثورة أبي السرايا التي انتهت بقتله عام 200ه وإخماد فتنته، معتمدين في ذلك على الطبري والأستاذ «ميور» خاصة.

لما قمع هرثمة ثورة أبي السرايا عاد إلى نهروان دون أن يعرج على والي بغداد، وهناك وافاه أمر الخليفة بتوليه حكم سوريا وبلاد العرب، وكان قد اعتزم الذهاب بعد ذلك إلى «مرو» مباشرة ليكشف للخليفة عن حقيقة الموقف وحرجه الذي يخفيه عنه وزيره الفضل، بسبب بقاء الخليفة في «مرو»، وأن الغرب سينتقض عليه سريعا ويخرج من يده إذا هو لم يبادر إلى العودة إلى بغداد، فلما أحس الفضل عزم هرثمة على القدوم فطن إلى ما ينويه، فدس له عند المأمون حتى أوغر صدره عليه، وكادت السنة تنتهي قبل أن يذهب هرثمة إلى «مرو»، فلما ذهب خشى أن يكتم الفضل خبر قدومه عن المأمون، فدق الطبول عند دخوله المدينة، فلما علم الخليفة الموغر الصدر بقدومه أمر بإحضاره، فلما مثل بين يديه بالغ في تقريعه وتأنيبه على توانيه في تسكين ثورة أبي السرايا، وفي مخالفة ما أصدره إليه من أمره بالذهاب إلى ما ولاه من أعمال، وما كاد هذا القائد يهم بالكلام ويشرح لمولاه الحالة حتى هجم عليه الحرس الذين أسر إليهم الفضل أن يغلظوا في تعذيبه، فانهالوا عليه ضربا ولكما على وجهه وجسمه ثم سحبوه بسرعة إلى السجن حيث مات به بعد زمن قصير متأثرا بجروحه، ولقد اعتقد عامة الناس أن الذي أماته هو الفضل.

وهكذا انطوت صحيفة هذا الباسل العظيم الذي ذب عن ملك المأمون، وكافح في توطيد دعائم الدولة من إفريقية إلى خراسان، والذي يرجع إليه الفضل الأكبر في انتصار المأمون على أخيه المخلوع.

ومات هذا القائد العظيم ضحية للسعاية ونكران الجميل كما مات أمثاله من قبل من صناديد هذه الدولة من جراء السعاية والمنافسة، ومن جراء أعمال البطانة ودسائس الحاشية.

ولنتساءل: ماذا كانت نتيجة قتل هرثمة؟

يحدثنا التاريخ أن هرثمة كان محبوبا في الغرب، وأن موته أحدث فتنا وقلاقل في بغداد، وثارت الجنود في وجه الحسن بن سهل؛ إذ عدوه آلة في يد أخيه الفضل الذي كانوا ينعتونه بالمجوسي، وبعد قتال دام ثلاثة أيام طردوا الحسن من المدينة، فلجأ إلى «المدائن» ثم ارتد إلى «واسط»، واستمرت الفتن والقلاقل بعد ذلك قائمة ببغداد شهورا عدة نشطت في خلالها عصابات اللصوص وشراذمة الصعاليك، وشمرت عن ساعدها في أعمال النهب والسلب حتى طغى سيل غاراتهم على تلك المدينة المنكودة التي أصبحت تحت رحمتهم.

ويحدثنا التاريخ أنهم قد أسرفوا في ذلك إسرافا عظيما مما فزع له أعيان المدينة ووجهاؤها، فأجمعوا أمرهم على صد هؤلاء السفلة الأشرار ودفع غائلتهم عن المدينة وأهلها، ولما تم لهم ما أرادوا اختاروا من بينهم رجلين من ذوي الفضل والمكانة فيهم وولوهما تدبير الحكم ريثما تستقر الحال ويعود الأمن إلى نصابه، ثم عرضوا عرش الخلافة على المنصور بن المهدي والبيعة له، فتأبى عليهم ولكنه عاد وقبل أن يتولى الحكم باسم الخليفة المأمون.

ولم توشك هذه السنة أن تنتهي حتى كان قواد الجند في بغداد قد سئموا القتال، فاتفقوا مع الحسن بن سهل الوالي فعاد إلى بغداد بعد أن أصدر عفوا عاما، ووعد بأنه يدفع للجند رواتبهم عن ستة أشهر، وبأن يدفع كذلك لذوي المعاشات أرزاقهم حسبما هو مدرج بقوائمهم. •••

ولنتساءل الآن: ماذا حدث بعد ذلك؟

अज्ञात पृष्ठ