207

कैसर मामून

عصر المأمون

शैलियों

لا نظن ذلك، وكان الحزم به أولى ليقدع الفتنة، وليضع حدا صارما لشهوات ذوي الغايات والمنتفعين الذين يكثر وجودهم وتتوافر جماعتهم في إبانها وفتراتها. •••

وقد كان اختيار الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان خطلا سياسيا؛ لأن سابقة ابن ماهان في خراسان أيام الرشيد كانت سابقة سوء، فهو ممقوت أشد المقت عندهم، ونقرر بهذه المناسبة أنه يخيل إلينا، إلى حد غير قليل، اختلاق تلك القصة التي تعزى إلى الفضل بن سهل، من أنه كتب إلى الدسيس الذي كان ممن يشاورهم الفضل بن الربيع في أمره، أنه إن أبى جماعة الأمين إلا عزمة في الخلاف، فألطف لأن تجعل أمرهم لعلي بن عيسى.

وقال الطبري: وإنما خص ذو الرياستين عليا بذلك لسوء أثره في أهل خراسان، واجتماع رأيهم على كرهه، وأن العامة قائله بحربه، فشاور الفضل الدسيس الذي كان مشاوره، فقال: علي بن عيسى! وإنه إن فعل فلم يرمهم بمثله في بعد صوبه، وسخاوة نفسه، وكان في بلاد خراسان في طول ولايته وكثرة صنائعه، ثم هو شيخ الدعوة وبقية أهل المشايعة. فأجمعوا على توجيهه.

نميل إلى القول بأن نسبة اختيار ابن ماهان إلى تدبير ابن سهل، وإسناد كل فضل إليه من باب الدعوة لابن سهل، ونحن ممن يقر بذكائه وسعة حيلته، كما أسلفنا.

ولكننا نقرر أيضا أن صلة ابن ماهان بالأمين وبدولة الأمين وبابن الربيع كانت مما يحتم على الأمين لا محالة تقليده أمر جيوشه، وتفضيله على غيره من القادة، لا أن دسيس جماعة المأمون هو الذي أشار بندبه واختياره، فلنحترس كثيرا من مبالغة المؤرخين والرواة، ولنجعل من عقولنا ومنطقنا محكا وحكما.

ونلفت النظر هنا إلى تناقض وقع فيه الرواة من الحزب المأموني، فبينا نراهم يقررون أن جيش المأمون عثر على صناديق عدة من الخمر فيما غنمه من علي بن عيسى بن هامان، إذ بالدسيس يصفه بقوله: «ليس مثله في بعد صوبه وسخاوة نفسه !»

ومهما قيل بأن وصفه كذلك من باب الختل والخديعة، وبأنه كان في حقيقة الأمر سكيرا معربدا، فإنا نرى أثر التأليف القصصي في الروايتين ظاهرا جليا.

وسبق لنا أن قد فندنا، حينما كنا بسبيل القول في الأمين، ما رواه محمد بن يحيى بن عبد الملك النيسابوري من أن الأمين قال لما نعى الناعي إليه قائده: «ويلك! دعني فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين وأنا ما اصطدت شيئا بعد»، وترك الناعي وخبره وأقبل على الصيد وكوثره، فلنضم هذه إلى تلك. •••

ويجدر بنا الآن أن نطلعك على بعض مقولات الشعراء في موقف الأخوين، مع ملاحظة ما لاحظناه من مبالغتهم في تمداحهم للقوي وغلوهم في زرايتهم على الضعيف.

قال أحد الشعراء البغداديين:

अज्ञात पृष्ठ