على أن الشعراء العباسيين قد تفننوا في أنواعه أيما تفنن من قول في المهاجاة إلى قول في الأخلاف، إلى ملح إلى تضرع إلى وصف إلى هجو الخلفاء برضاهم إلى مدحهم.
وعلى الجملة فقد استعملوه في كل غرض من أغراض الحياة من مفاخرة وخمريات وزهريات ورثاء، كما أن منهم من ذكر الوقائع العربية في شعره، فأثرى الشعراء وأترفوا، وحسبك أن تعلم أن سلما الخاسر خلف ثروة مقدارها 50000 دينار، 1500000 درهم غير الضياع، ومثله مروان بن أبي حفصة وغيرهما. وسكن الشعراء الآطام والقصور، واقتنوا الأنف الحسانة من الحدائق وشاهقات الدور، واستخدموا الجواري والغلمان، وأمعنوا في شهواتهم ولذاتهم، وتنعموا بحطام الدنيا ومرافهها، فسهلت ألفاظهم، ورقت طباعهم، وقل اقتضابهم، وحاولوا الخروج على الطريقة القديمة، وأرادوا أن يستبدلوا الخمر وساقيها من الدار وبانيها، وتقدم في ذلك النواسي يحمل علمهم فقال:
صفة الطلول بلاغة القدم
فاجعل صفاتك لابنة الكرم
وقد بالغ في ذلك حتى سجنه الخليفة وأخذ عليه ألا يذكر الخمر في شعره، فقال:
أعر شعرك الأطلال والمنزل القفرا
فقد طالما أزرى به نعتك الخمرا
دعاني إلى نعت الطلول مسلط
تضيق ذراعي أن أرد له أمرا
فسمعا أمير المؤمنين وطاعة
अज्ञात पृष्ठ