وأعتقد اعتقادا راسخا أنه لن يعترض علي معترض لعنايتي بالعصر العباسي من وجهتيه التاريخية والأدبية، فلم يعد «عصر المأمون» عن كونه شطرا يحفل به من العصر العباسي، كما أعتقد أنه مما لا مندوحة لنا عنه لتفهم العصر العباسي أن نصور لك العصر الذي قبله بما يسعه المقام، وهذا ما عالجناه لك في كتابنا بصورة متواضعة نأمل أن تكون فيها الغنية والكفاية لما نروم تصويره.
ولقد عدلت عما كنت ذهبت إليه من بيان المصادر والمراجع في نهاية كل صفحة، رغبة في ألا أشغل نظر القارئ بما لا يجدي عليه، وحرصا على توحيد مجهوده في استيعاب الموضوع وتفهم شتى مناحيه، ملحقا في الوقت نفسه نهاية المجلد الثالث بيان مصادر الكتاب لمن أراد توسعا؛ فتراجع ثمة.
وأحمد الله أن أبرز كتابي هذا في عصر النهضة الاستقلالية المصرية التي ازدانت برعاية مولانا المليك «فؤاد الأول» - حفظه الله - كما ازدانت بناصعة خدم أقطابنا وزعمائنا ذوي الصحف البيضاء، والآثار الخالدات الباقيات، وعلى رأسهم أصحاب الدولة الأجلاء، فقيدنا المرحوم المبرور «سعد زغلول باشا»، والقطبان الخطيران: «عدلي يكن باشا» و«عبد الخالق ثروت باشا»، فهؤلاء الثلاثة قد وهب الله لهم أصالة الرأي، ونبالة القصد، وثروة الذهن، وغنى العقل، وحباهم سدادا في سياسة، وتواضعا مع رياسة، وحكمة في كياسة، ونبوغا مع ثقافة، وحزما في حصافة، وأمتعهم بثقوب النظر، ورجاحة الفكر، وأفاض على أشخاصهم لينا ودماثة، وسماحة ووداعة، حتى أجمع القوم على حبهم إجماعهم على الاعتراف بوافر فضلهم، والإشادة بعطر ذكرهم، وتسابقوا إلى الاستفادة من سديد مواقفهم، وحكيم صنعهم، ونزيه أعمالهم، استفادتهم من أفاويق عرفانهم، وفيض بيانهم، ومقنع برهانهم .
وهؤلاء الثلاثة قد نجحوا في تكوين الأمة من الوجهة السياسية نجاحهم في تكوينها من الوجهة القومية.
فاللهم رحمة واسعة لزعيمنا الراحل الكريم، وعوضنا اللهم من خسارتنا الفادحة في فقده، أحوج ما كنا إلى عظيم جهوده، وهب اللهم حياة طويلة لقطبينا محط الآمال ومعقد الرجاء.
وأحمده تعالى على أن دخلت البلاد عهدا جديدا من حياتها العلمية بزعامة وزير معارفنا الهمام، مرهف العزمات، مسدد الوثبات، صاحب المعالي «علي الشمسي باشا»، ومدير جامعتنا المصرية العالم الجليل الأستاذ «أحمد لطفي السيد بك»، وغيرهما من رجالات العلم والأدب في هذا الجيل.
وإنني أنتهز هذه الفرصة لأشيد بما للمرحوم الأستاذ محمد الخضري بك من فضل عظيم، ومعترفا بما لصديقي الدكتور طه حسين، الأستاذ بالجامعة المصرية، من معونة قيمة في غير موضع من الكتاب، كما أنتهزها لأشكر لسادتي العلماء والأدباء ورجال الصحافة والمجلات حسن استقبالهم لكتابي، كما أحمد لحضرات النقاد الأجلاء جميل تشجيعهم، وحكيم أخذهم الأمور بهوادة ورفق، معترفا بصادق رغبتهم في الأخذ بناصر العلم والعلماء، قادرا أعظم قدر روحهم العالية فيما دبجوه فأجادوه، وكتبوه فارتفعوا بعلم النقد عندنا عما وصم به أخيرا من التطاحن والرماء، والجلاد والشحناء، والعمل على الهدم لا على البناء، كما أشكر لسادتي الأستاذين الجليلين: محمد عبد الوهاب النجار وعبد الخالق عمر، والكاتبين الأديبين: محمد الههياوي ومحمد صادق عنبر، حسن صنيعهم في تهذيب «عصر المأمون»، معترفا بعظيم جهد ثانيهما اللغوي. أحسن الله جزاءهم.
وإني أخص بالشكر رجال دار الكتب المصرية، وعلى رأسهم حضرات الأساتذة محمد أسعد برادة بك، مدير الدار ذي الخلق الوديع والهمة الشماء، وأحمد زكي العدوي أفندي، رئيس القسم الأدبي بالدار وصاحب الهوامش الحسان، وعبد الرحيم محمد أفندي ومحمد عبد الجواد الأصمعي أفندي المصححين به وصاحبي الأثر الطيب الجليل، ورجال هذا القسم كافة؛ فلهم الفضل الكثير، بهمة رئيسهم الفاضل، في ضبط الكتاب وتصحيح مسوداته، كما أشكر حضرة الفاضل محمد نديم أفندي ملاحظ الطباعة بالدار المشهور بالدقة والإتقان، ويلوح لي أن الله - تعالى - أحسن جزاء المأمون على حدبه وكبير عنايته بدور الحكمة «دور الكتب» العديدة في عصره، بأن وفق دار الحكمة في مصر - في هذا العصر - إلى رعاية عصره بهمة وإخلاص وتدقيق وتحقيق.
25 سبتمبر سنة 1927
أحمد فريد رفاعي
अज्ञात पृष्ठ