وكان كثيرا ما يجلس لرد المظالم، وقد عرف عنه أنه كان إذا جلس للمظالم قال: «أدخلوا علي القضاة، فلو لم يكن ردي للمظالم إلا للحياء منهم لكفى.»
وروى الطبري في حوادث سنة تسع وستين ومائة، أن مسور بن مساور قال: «ظلمني وكيل للمهدي وغصبني ضيعة لي، فأتيت سلاما صاحب المظالم فتظلمت منه، وأعطيته رقعة مكتوبة، فأوصل الرقعة إلى المهدي وعنده عمه العباس بن محمد وابن علاثة وعافية القاضي، قال: فقال لي المهدي: ادنه. فدنوت، فقال: ما تقول؟ قلت: ظلمتني، قال: فترضى بأحد هذين؟ قلت: نعم، قال: فادن مني، فدنوت منه حتى التزقت بالفراش، قال: تكلم، قلت: أصلح الله القاضي، إنه ظلمني في ضيعتي هذا، فقال القاضي: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: ضيعتي وفي يدي، قال: قلت: أصلح الله القاضي، سله صارت الضيعة إليه قبل الخلافة أو بعدها، قال: فسأله ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: صارت إلي بعد الخلافة، قال: فأطلقها له، قال: قد فعلت، فقال العباس بن محمد: والله يا أمير المؤمنين، لهذا المجلس أحب إلي من عشرين ألف ألف درهم.» •••
أما كرمه فسجية قديمة فيه، وبسببه نال عتب المنصور غير مرة، وقد ذكر الطبري أن المؤمل بن أميل قال: قدمت على المهدي بالري وهو ولي عهد، فأمر لي بعشرين ألف درهم لأبيات امتدحته بها، فكتب بذلك صاحب البريد إلى المنصور وهو بمدينة السلام يخبره أن المهدي أمر لشاعر بعشرين ألف درهم، فكتب إليه المنصور يعذله ويقول له: إنما كان ينبغي لك أن تعطي الشاعر بعد أن يقيم ببابك سنة أربعة آلاف درهم، قال المؤمل: فكتب إلى كاتب المهدي أن يوجه إليه الشاعر، فطلب فلم يقدر عليه، فكتب إليه: إنه قد توجه إلى مدينة السلام، فوجه المنصور قائدا من قواده فأجلسه على جسر النهروان، وأمره أن يتصفح الناس رجلا رجلا ممن يمر به حتى يظفر بالمؤمل، فلما رآه قال له: من أنت؟ قال: أنا المؤمل بن أميل من زوار الأمير المهدي، قال: إياك طلبت، قال المؤمل: فكاد قلبي ينصدع خوفا من أبي جعفر، فقبض علي ثم أتى بي باب المقصورة وأسلمني إلى الربيع، فدخل إليه الربيع فقال: هذا الشاعر قد ظفرنا به، فقال: أدخلوه علي، فأدخلت عليه فسلمت فرد علي السلام، فقلت: ليس هاهنا إلا خير، قال: أنت المؤمل بن أميل؟ فقلت: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين، قال: هيه! أتيت غلاما غرا فخدعته، فقلت: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين، أتيت غلاما كريما فخدعته فانخدع، قال: فكأن ذلك أعجبه فقال: أنشدني ما قلت فيه، فأنشدته:
هو المهدي إلا أن فيه
مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما
أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل
وهذا في النهار سراج نور
ولكن فضل الرحمن هذا
अज्ञात पृष्ठ