2
يكون قد أعد نفسه أفضل إعداد أدبي ممكن لفهم مؤلفات لكير كجورد مثل؛ «مرض الموت»
Sickness unto Death
و«تصور القلق»
The Concept of Dread . ومع ذلك فإن اهتمام كيركجورد، ب «العقلية المتأزمة» ليس أدبيا أو نفسيا، وإنما هو اهتمام ميتافيزيقي وديني؛ إذ إنه يرى أن الوسيلة الوحيدة إلى معرفة ما يعنيه وجود المرء أو عدم وجوده إنما هي قضاء ليال حالكة للنفس كهذه.
على أن لكلمة «ما يعنيه» في الجملة الأخيرة دلالة مزدوجة؛ فهي قد توحي، إذا قرأتها على نحو ما، بأن كيركجورد يهتم أساسا بالدفاع عن نظرية معينة بشأن معنى «الوجود
existence » ومعرفته، وهي نظرية لا تختلف كثيرا عن نظرية كانت. غير أن ثمة طريقة أخرى لفهم كلمة «ما يعنيه» في هذا الصدد، طريقة أقرب في اعتقادي إلى اهتمام كيركجورد الأساسي من حيث هو فيلسوف، وتبعا لهذه الطريقة يكون هدفه الأساسي هو القول إن المرء لا يدرك مغزى وجوده الخاص إلا في حالات الأزمة الانفعالية العنيفة، عندما يواجه خطر انعدامه، لا من حيث إن هذا الانعدام مجرد إمكانية، بل من حيث هو حقيقة واقعة. وعندئذ فقط يقرر المرء أخيرا أن يعيش أو يموت، أن يكون أو لا يكون وبالاختصار، فإن ما يهم كيركجورد هو دلالة الحياة، أكثر من كونه معنى «الوجود»، وإذا كانت لمذهبه نتائج أنتولوجية أيضا، فإن هذه تكون نوعا من الأنتولوجيا ينتهي آخر الأمر إلى موقف عملي لا نظري. وعندما تصل الفلسفة إلى هذه النقطة، تكون قد انتقلت إلى أقصى طرف بعيد عن العلم، ولا تعود أسئلتها متعلقة على الإطلاق بمعرفة ما هو موجود، بأي معنى معتاد لهذه العبارة.
والواقع أن نفور كيركجورد من اللاهوت والميتافيزيقا العقليين بلغ حدا قد يجعل البعض يعتقدون أنه ينكر فعلا قدرة العقل والفلسفة ذاتها. كما ظلت تفهم منذ عهد سقراط، على حل أية مشكلة روحية أساسية للتجربة البشرية. وقد يبدو من وجهة النظر هذه أن كيركجورد ينكر فعلا مجرد إمكان التفلسف. بل إن المرء قد يستنتج من ذلك أنه قد وصل إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها الوضعيون أنفسهم، وإن يكن قد سلك طريقا مخالفا تماما؛ فكلا الفريقين يأتينا بفلسفة ترمي إلى القضاء على كل فلسفة.
ومع ذلك فإن كيركجورد، كالوضعيين، هو فيلسوف؛ ذلك لأن نقد العقل، كما بين كانت ذاته، هو عمل فلسفي لا غناء عنه، مهما كانت نتائجه. والواقع أن محاربة كيركجورد للعقلية، إذا ما نظر إليها من زاوية معينة، إنما هي صورة متطرفة لرد الفعل الرومانتيكي المستمر على المعقولية. كذلك يمكن النظر إليها على أنها مظهر متأخر لتراث إيماني مضاد للعقل، ظهر منذ القدم في اللاهوت المسيحية، وتنتمي إليه أسماء لامعة كأسماء «ترتوليان
Tertulian »
अज्ञात पृष्ठ