فقال: «ياقوتة زوجتك؟!»
فوجم ضرغام ثم قال: «نعم ياقوتة التي أمر أمير المؤمنين أن تكون زوجة لي فجرؤت على حلم مولاي ولم أتزوجها لعلمي أنها مخطوبة لصديقي هذا، فحفظتها عندي أمانة له، فإذا شاء أمير المؤمنين أن يغمرنا بنعمه عفا عنا وأذن أن تكون ياقوتة زوجة لحماد بعد رجوعنا من القتال ظافرين بإذن الله.»
فأعجب الخليفة بأريحية ضرغام وكرم أخلاقه وابتسم له وقال: «قد عفونا عنكما. وأحب أن يكون حماد من خاصتي وسأغدق عليه النعم.»
فشكر كلاهما فضله عليهما فقال: «هلم بنا إلى العمل.» وأمر أن ينقل فسطاطه أمام السور المتخرب ونصب المجانيق عليه فتخرب فجعل الروم بدلها أعوادا كل عود بجانب الآخر فكان المنجنيق يكسر الخشب فجعلوا عليه البرازخ، فلما ألحت المجانيق على ذلك الموضع تصدع السور وألح المعتصم بالحصار وكان حول السور خندق عميق لا يمكن تجاوزه ولولاه لأخذت المدينة. فأشار ضرغام على الخليفة أن يطمه بجلود الغنم المملوءة ترابا ففعل، وعمل دبابات كبيرة تسع الواحدة عشرة رجال ليدحرجوها على الجلود إلى السور فدحرجوا واحدة منها فلما صارت في نصف الخندق تعلقت بتلك الجلود فما تخلص من فيها إلا بعد جهد، وعمل سلالم ومنجنيقات.
وكان ضرغام يلح على الخليفة أن يأذن للجند بالهجوم يريد سرعة الوصول إلى جهان والخليفة ضنين به. فلم يأذن له ولكنه أمر بالحرب، فكان أول من هجم أشناس بأصحابه. وكان المحل ضيقا فلم يمكنهم من الحرب فيه، فأمدهم المعتصم بالمنجنيقات التي حول السور فجمع بعضها إلى بعض فوق الثلمة. وفي اليوم الثاني أمر المعتصم أن يهجم الأفشين وأصحابه وأجادوا الحرب. وفي اليوم الثالث هجم هو ورجاله وفيهم المغاربة والأتراك وهجم ضرغام وعمل أعمالا تعجز عنها الأبطال ووردان إلى جانبه وكان قد علم بأمر حماد. وجعل ضرغام وجهته قصر البطريق.
وظلت الوقعة إلى الليل واحتدم سعيرها. وكان البطارقة قد اقتسموا أبراج السور فاختصموا وجاء بعضهم في الصباح وألقوا سلاحهم نكاية في الآخرين وساروا أمامهم إلى المدينة، ففشل الروم ودخلها المسلمون دخول الفاتحين وأمعنوا فيها نهبا وقتلا وسلبا. •••
قصد ضرغام إلى قصر البطريق يطلب حبيبته ومعه وردان وحماد، ولم يصل إلى القصر إلا بعد التعب المضني لشدة ازدحام الأسواق بمن دخلها من المسلمين للنهب والسلب والسبي، ولما دخلوا القصر وجدوا أبوابه مفتحة ولم يبق فيه شيء من المال أو النساء، فطافوا غرفه يبحثون فيها فلم يقفوا لجهان ولا هيلانة على أثر، فارتاب ضرغام في قول حماد وأدرك هذا ارتيابه فأقسم له على صدق قوله وقال: «يلوح لي أن بعض الجند دخلوا القصر ونهبوه وأخذوا أهله.»
فوقف ضرغام ووردان وقد سقط في أيديهما فقال وردان: «نبحث عنهما بين السبايا بعد انتهاء المعركة.»
أمر الخليفة بعد أن تم النصر للمسلمين بوقف القتال وجمع الغنائم في ساحة المدينة لتباع، فأخذ الناس يتزايدون فلا ينادى على السبي الواحد أكثر من ثلاثة أصوات التماسا للسرعة فكانوا يبيعون الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة لكثرته، والمعتصم يستعجلهم، وأمر بهدم المدينة فهدموها وأحرقوها.
أما وردان فإنه طاف بين السبايا أثناء البيع فلم يقف لامرأته ولا لجهان على خبر، فانقبضت نفسه وعزم على الرجوع إلى ضرغام لينظرا في الأمر. فمر في طريقه على معسكر الأفشين فرأى فرس جهان الأدهم في جملة الغنائم وتحقق ذلك لما رأى سامان واقفا إلى جانبه فتميز غيظا لكرهه سامان وأمسك عن الفتك به إكراما لضرغام لعلمه أنه لا يريد ذلك. ثم أسرع إلى ضرغام وأخبره بما رأى فجاء ضرغام فرأى أدهم جهان وكان سامان قد ذهب. وما كاد ضرغام ينظر إلى وجه الأدهم ويرى صورة الأسد في جبهته حتى ثبت لديه أنه جواد جهان وغلب على اعتقاده أن جهان وهيلانة في جملة السبي الذي أخذه الأفشين، وهم بأن يدخل عليه لساعته ليطلب منه جهان وهيلانة ثم تراجع خوفا من إفساد نظام الجند وهو حريص على جمع كلمته، واعتزم أن يوسط الخليفة لإنقاذ جهان وهيلانة من يد الأفشين.
अज्ञात पृष्ठ