قال: «لا فائدة من ذهابك؛ فإن المرأتين في إطار أضيق مما قرأته في هذا الكتاب، وقد أراد صديقنا حماد تخفيف الخبر. ألم تقرأ قوله: «إن ناطس حرص عليهما حرصا شديدا ولا سيما جهان»، إنه يعني أن هذا البطريق أحب جهان فاستبقاها لنفسه، فلا تجدي الحيلة في إنقاذها منه ولا بد من القوة. وقد أشار حماد إلى ذلك تلميحا في أواخر كتابه.»
فقال وردان: «إذا كان لا بد من الحرب فلا يثيرها سواك بما لك من المنزلة عند الخليفة.» فنهض ضرغام لساعته تاركا وردان في مكانه ومضى إلى داره فلبس سواده والقلنسوة وخرج يقصد دار الخليفة فاستأذن فقال له الحاجب: «إن أمير المؤمنين في خلوة مع القاضي أحمد.» فقال: «استأذن لي أيضا.»
فلما أذن له دخل وسلم، فرأى القاضي أحمد جالسا بجانب سرير المعتصم والاهتمام باد في وجهيهما. فلما دخل ضرغام رحب به الخليفة قائلا: «جاءنا الصاحب في إبان الحاجة إليه فقد كنت عازما على دعوتك.» وأشار إليه بالجلوس.
فجلس وقال: «إن نفسي حدثتني بأن هناك ما يدعو إلى مجيئي؛ لأني لا أفتأ أفكر في مولاي، أشاركه آماله فتتلاقى خواطرنا.»
فقال القاضي: «بلغني رضاء أمير المؤمنين بما أبديته من البسالة في فتح البذ، وقد سرني صدق توسمي فيك ، فأصبحت ذا منزلة لدى مولانا يعول على رأيك وسيفك.»
فأطرق ضرغام تأدبا ولم يجب. فأتم الخليفة الحديث قائلا: «جاءنا البريد من بلاد الروم بأن تيوفيل اللعين نزل «زبطرا» و«ملطية» وأساء إلى أهلهما وارتكب فيهما كل قبيح مما لم يألف المسلمون مثله.» فقال ضرغام: «هل يطلب أمير المؤمنين رأيي؟» قال: «نعم.»
قال: «لا أرى لي غير السيف كما عودهم الرشيد من قبل. فأحمل عليهم ودوخهم واكتسح بلادهم. إن الإسلام لا يصبر على ما فعله تيوفيل من سمل العيون وجدع الأنوف وسبي النساء. جرد يا أمير المؤمنين جندك فيعودون من ظفر إلى ظفر آخر وأنا عبدك أول المتطوعين في هذه الحرب. وإذا صبر أمير المؤمنين على سمل عيون المسلمين فلا أخاله يصبر على سبي المسلمات!» وكان ضرغام يتكلم وعيناه تقدحان شررا وشفتاه ترتجفان، وأحس أنه بالغ في الجرأة بين يدي الخليفة، ولكنه لم ينتبه إلا بعد أن فرغ من كلامه. ورفع بصره إلى المعتصم فرآه وقد تغير وأبرقت عيناه وخالطهما احمرار من الغضب. واضطرب في مجلسه وثبت بصره في ضرغام وهو يتكلم فهاجت حماسته وأصبح كالأسد في بطشه وسلطانه. فخاف ضرغام أن يكون قد أغضب المعتصم بجرأته، فأراد أن يستأنف الكلام للاعتذار فقطع القاضي أحمد كلامه قائلا: «لقد نبهت حمية أمير المؤمنين إلى مصلحة المسلمين وما هو بغافل عنها، وإنه ليسره أن يرى ذلك في رجاله وأبطاله.»
فقال المعتصم: «إن الصاحب تكلم بلساني وعبر عن جناني. وسآمر الأفشين والقواد الآخرين بالتأهب لحرب بعد أن أستخير الله فيها. إنها جهاد في سبيل الإسلام.» ثم قال: «موعدنا غدا إن شاء الله.» فانصرف القاضي وضرغام.
مشى ضرغام إلى منزله وقد هاجت عواطفه، وكان وردان في انتظاره فقص عليه ما جرى فسره الأمر ولكنه خاف أن تئول تلك الاستخارة إلى العدول عن القتال. وفي الصباح التالي جاء غلام الخليفة مبكرا في طلب الصاحب. فمضى حتى دخل على الخليفة، فرآه في بهو خاص لا يجلس فيه للناس وهو بثوب النوم وقد التف بمطرف. وآنس في وجهه انقباضا. فأوجس خيفة ولكن المعتصم أمره بالجلوس، فجلس فقال له الخليفة: «أتدري لماذا دعوتك وأدخلتك علي وأنا في هذه الحال؟» قال: «كلا يا مولاي.»
قال: «نهضت من فراشي منذ هنيهة بعد أن استيقظت منزعجا مضطربا.» قال: «خيرا إن شاء الله.»
अज्ञात पृष्ठ