وتحفز بابك للذهاب وهو يقول: «اليوم بدء أيام سعادتي يا جلنار، فإني لم أكن أسعد حالا مني في هذه الساعة.» ووقف وأتم حديثه فقال: «إنما لي رجاء لا أظنك تخالفينني فيه؛ ذلك أن خاصتي تعودوا مجلس الشراب، وفيهم المولعون بالخمر، ولم يوفقوا إلى من يهديهم الصراط المستقيم بعد، وأخشى إن فاجأتهم بإبطال هذه العادة أن يغضبوا، وأنا في حاجة إليهم في هذه الحرب؛ فأرى أن أسايرهم وأجالسهم وأوهمهم أني أشرب معهم حتى نرى ما يكون.»
قالت: «لا بأس، على أن تتلطف في جعلهم يقلعون عما ألفوا بالتدريج.»
فأشار مطيعا، وتمت المعجزة؛ إذ انقلب مثال الاستبداد والعنف إلى مثال لين العريكة. وفي هذا ما يدل على قوة سلطان المرأة العاقلة إذا هي أحسنت الأسلوب في رد الرجل عن النقائص. ولن تستطيع شيئا من ذلك إلا بأن تجعله يحبها فمتى ملكت قلبه ملكت زمامه. أما إذا أرادت إصلاحه بالانتقاد فقد تزيده تمسكا بزلاته.
ولا تسل عن فرح جهان بما حدث لبابك وقبوله ما اشترطته، لما فيه من صيانة نفسها حتى تتحقق أمر حبيبها والانتقام من الأفشين. وتذكرت في تلك اللحظة أخاها سامان فاستوقفت بابك وقالت : «لي طلبة أرجو أن تقضيها.»
قال: «لك ما تريدين.»
قالت: «سامان. أخي. أنت تعرفه وتعرف أنه خانني وغدر بي. لا أطلب الانتقام منه ولكنني أريد إبعاده عن هذه المدينة؛ لأن في وجوده خطرا على الجيش. لا أطلب قتله أو سجنه بل أكتفي بإبعاده لنأمن شره.»
قال: «هذا ما كنت عازما عليه، وإن كنت قد أفدت من خيانته ... إذ لولاه لم أحظ بعروس فرغانة، وقد يخونني كما خان أخته، وسأنفيه من هذه الديار، والآن ألا تريدين الإقامة معي بقصري؟»
قالت: «دعني في القصر كما أنا، فإني مستأنسة بأهله، وإن أردتني لمشورة أو تدبير فإنا نلتقي على موعد.»
فأذعن وهو يبتسم وينظر في وجهها نظر المحب المتهيب. فوقفت وهشت له فودعها وهو يقول: «نحن على وفاق منذ الآن. فهل أنت تحبينني؟»
قالت: «إننا أخوان. أنت أخي بابك أحبك محبة الأخ لأخيه وأرعاك رعاية الأخت لأخيها، وسترى أني أبذل نفسي في سبيل راحتك.»
अज्ञात पृष्ठ