كانت قهرمانة بابك سيدة قصره الآمرة الناهية فيه. وكان جميع من يضمهم من النساء والخصيان يخشون بأسها ويخفون لخدمها؛ لأنها الوسيلة بينهم وبين بابك. إلا جهان فإنها بقيت على سليقتها متلطفة متحفظة. ومع هذا كانت القهرمانة تجل قدرها وتبالغ في إكرامها. وبعد أيام جاءت إلى جهان ووجهها يتهلل بشرا فحيتها وقالت: «أبشري، إن العريس قد جاء!»
فأجفلت جهان ولم تجب، فحملت القهرمانة ذلك منها على محمل الحياء، فقالت: «جئتك من قبل مولانا بابك. فإنه رجع من سفره، ولما علم بمجيئك سر سرورا عظيما وأمرني أن أدعوك إليه.»
فأجابتها جهان بهدوء وسكينة: «إلى أين؟» قالت: «إلى قصره.»
قالت: «أليس هذا الذي نحن فيه قصره كذلك؟»
قالت: «بلى، ولكنه ألف أن تنتقل نساؤه للإقامة معه هناك.»
فهزت جهان رأسها إنكارا وإباءا وقالت: «لا»، ولم تزد.
فعجبت القهرمانة لجوابها وهي في الأسر بين مخالب الأسد، وقالت لها: «إن بين هذا القصر وقصر بابك دهليزا مسقوفا تسير فيه المرأة مكشوفة كأنها في غرفتها ولا يراها أحد، فهيا ولا تخشي شيئا.»
فظلت جهان جالسة لا تبدي حراكا، فغضبت القهرمانة لهذا الاستخفاف وقالت بصوت عال: «أنصح لك يا بنية بأن تنهضي ولا تستخفي بهذا الرجل فإنه فتاك لا يبالي أحدا إذا غضب.» ثم خفضت صوتها ودنت منها ووضعت يدها على كتفها تتحبب إليها وقالت: «إنني شديدة الحرص عليك؛ لأني أحببتك منذ رأيتك، قومي يا حبيبتي، قومي.» فرفعت جهان بصرها إليها وقالت: «أشكر لك شعورك، ولكنني لسن بخارجة من هذه الغرفة.»
فنفرت القهرمانة من الجواب وتحولت نحو الباب وخرجت، وكانت خيزران واقفة تسمع ما دار بينهما، وساءها ما أبدته سيدتها من الأنفة والشدة وهمت بلومها بعد خروج القهرمانة. فسبقتها جهان قائلة: «لا تقولي شيئا يا أماه. فإني لا أبالي ما يكون من هذا الجلف العاتي. إنه يريد أن أذهب إليه مختارة. ولكني لن أذهب وما قدر يكون. على أني رغم وحدتي وأسري هنا أشعر بأني لي قوة وسلطانا، كما لو كنت في قصر أبي بين أهلي وأعواني. ذريه يفعل ما يشاء فإن عروس فرغانة وخطيبة ضرغام لا تذل لإنسان!»
ونهضت فالتفت فوق ثوبها بمطرف من الخز، وتخمرت بشال مزركش التماسا للدفء؛ لأنها في إقليم بارد. ومشت في أرض الغرفة مطرقة تفكر فيما عسى أن يفعل بابك إذا بلغه إباؤها، وعزمت على الدفاع والثبات لآخر لحظة في حياتها.
अज्ञात पृष्ठ