عندما استيقظت إلينورا كانت جبهتها غارقة في العرق ووسادتها مبللة باللعاب. كان الصباح قد انتشر في أرجاء المدينة كغطاء من الشاش، وأنامله الوردية البرتقالية تغشى تجمعات الضباب والحراس الليليين النائمين. تقلبت إلينورا على ظهرها، وحدقت إلى الغطاء المزركش الذي يعلو فراشها. كانت أحلامها لا تزيد عادة عن ذكريات متفرقة غير مترابطة، مثل رائحة مادة مبيضة أو ظبي مجروح أو منظر ميناء بعيد، ولكن لا شيء كهذا على الإطلاق. كان هذا الحلم مختلفا تماما، كالرؤيا التي رأتها بينيلوبي للإوز، وحلم بيب أنه رأى نفسه هاملت، أو صراع يعقوب مع الملائكة. كان هذا الحلم حقيقيا، شيئا يمكنها الإمساك به. وشعرت أنه يعني شيئا، ولكن ما هو ذلك الشيء؟ لا تدري.
لم تتمكن إلينورا من الخلود إلى النوم مرة أخرى، فتسللت من الفراش وارتدت ثوبها المنزلي. جرت قدميها وهي تشعر بنسيج السجاد يلامس قدميها الحافيتين متجهة إلى الناحية الأخرى من غرفتها صوب النافذة البارزة، وراقبت المدينة وهي تستيقظ. بدا كيز كولاسي مقارنة بالصورة التي رأتها في الحلم مملا حزينا. كان برجا حجريا مربعا تعلوه غرفة مراقبة وقمة مستدقة نحاسية رقيقة، وكان يستخدم فيما مضى سجنا ومنارة ومحطة جمارك. وطبقا لمعلوماتها فهو خال الآن؛ فالجزيرة الصغيرة غير مسكونة إلا من الطيور. ثمة طائرا لقلق أسودان يدسان منقاريهما في المياه الضحلة التي تحيط بالجزيرة، وحسون ذهبي وحيد على عتبة غرفة المراقبة. وبينما كانت إلينورا تراقب الحسون وهو يقفز من أحد جوانب العتبة إلى الجانب الآخر، خطر لها أنها رأت وميضا أرجوانيا داخل البرج. قطبت جبينها في اتجاه الشمس، وانحنت للأمام وفتحت النافذة فتحة صغيرة كي تزيل سطوع الضوء، ولكن كل ما استطاعت رؤيته هو الحسون. إذا كان ذلك أحد أفراد سربها داخل البرج، فقد رحل الآن.
عندما طار الحسون الذهبي، لاحظت إلينورا عربة تتوقف في الطريق الأمامي المؤدي إلى منزل البك. كان هذا أمرا غريبا؛ فالبك نادرا ما يستقبل زائرين في المنزل، وخاصة في هذا الوقت المبكر من الصباح. شدت حزام ثوبها عليها وراقبت العربة المزينة باللونين الأرجواني والذهبي تبطئ حتى توقفت عند حافة الماء. وعندما توقفت الجياد فتح باب العربة من الداخل، وخرج منها رجل يرتدي زيا رسميا أرجواني اللون، ودون أن ينظر إلى أي من جانبيه تقدم مباشرة إلى الباب الأمامي للمنزل وقرعه. تمكن الفضول من إلينورا، فارتدت ثوبا ملائما وهرعت إلى منبسط الدرج الذي يعلو غرفة الجلوس. حدقت عبر قضبان الدرابزين، فشاهدت السيد كروم وهو يفتح الباب بطريقته المتكبرة المعتادة، ولكنه عندما رأى الطارق تراجع خطوة إلى الخلف وانحنى على ركبة واحدة.
لم تتمكن إلينورا من سماع ما يقولانه، ولكن عندما وقف السيد كروم مرة أخرى نظر للخلف في اتجاه غرفتها، وعندما رآها على منبسط الدرج ناداها. «أيتها الآنسة كوهين، هل يمكنك أن تأتي إلى هنا للحظة؟ ثمة من يرغب في الحديث معك.»
بينما كانت إلينورا تهبط، ألقت للمرة الأولى نظرة فعلية على الرجل ذي الزي الرسمي الأرجواني. كان يقف منتبها وصدره مشدود وقبعته مائلة، يرتدي معطفا من الحرير الأرجواني مرصعا بأزرار بلورية. كان أثر رائحة الخزامى يفوح من حوله، وكان يحمل في يده اليسرى أنبوبا فضيا بحجم ثمرة الخيار. أبقت عينيها على السجادة كي لا تحدق إلى الرجل وهي تتجه إلى الجانب الآخر من غرفة الجلوس، وعندما وصلت إلى الباب بدأ السيد كروم بتعريف رسمي. «أقدم لك الآنسة إلينورا كوهين، ابنة يعقوب كوهين، من كونستانتسا سابقا وإسطنبول حاليا، وهي الآن في رعاية منصف باركوس بك.»
استقام ظهر الزائر أكثر، وتنحنح قليلا.
ثم قال: «آنسة كوهين، إن خادم الحرمين الشريفين خليفة المسلمين وأمير المؤمنين والخاقان الأعظم لممالك متعددة، فخامة السلطان عبد الحميد الثاني، يطلب مقابلتك في القصر.»
مد يده بالأنبوب الفضي، فتناولته منه.
ثم تابع قائلا: «سوف نرسل لك عربة غدا صباحا في الموعد نفسه، أرجو أن يكون ذلك مناسبا.»
نظرت إلينورا إلى الهدية الفاخرة التي حصلت عليها، وحملت الأنبوب في يديها كما لو كان سيفا. كان منقوشا على شكل زهور متداخلة ويعلوه غطاء من العاج، وكان مشابها في مهارة صنعه وتصميمه لحامل المستندات الذي استخرج منه الكاهن أحجيته. استطاعت أن تسمع تيارا من الدم يتدفق في صدغيها، وبدت غرفة الجلوس كما لو كانت تضيق عليها.
अज्ञात पृष्ठ