وعندما توقف القطار الجبلي المائل، أعلن البك: «لقد وصلنا»، وتوجهوا في طابور إلى خارج المحطة.
كانت بيرا كما تذكرها إلينورا بالضبط؛ فالأروقة مكسوة بلافتات مطلية من القماش، وتسابقت نوافذ المحلات في الإعلان عن البضائع الصيفية الجديدة، والسيدات الأنيقات يتهادين في سيرهن في الطريق مرتديات ثيابهن الأنيقة ذات اللون العاجي. شعرت كما لو كانت تطفو أخيرا على السطح بعد الغطس لفترة طويلة، كما لو كانت تخرج من أعماق نفسها الصامتة الرقيقة إلى عالم تستشعر حرارته ومذاقه المالح. وبينما كانت تقف عند أسفل لو جراند رو دو بيرا تتأمله بعينيها، شعرت بثقل حزن جديد يسحقها؛ كانت تقف مع والدها منذ بضعة أشهر في نفس هذا المكان، كان يمسك بيدها ويسير معها أعلى الطريق. تجمعت الدموع في عينيها وهي تتذكر رائحته، والشعور براحة يده خلف عنقها. وقفت هي والبك صامتين للحظة، وبعدها مسحت إلينورا دموعها بطرف كمها. قدم لها البك أصبعين، فأمسكت بهما وسارا معا أعلى الطريق متجهين إلى مقهى أوروبا.
أمسك البك الأبواب الحمراء المزدوجة لها، وقادها عبر غرفة المقهى الرئيسة المزدحمة التي تملؤها سحب الدخان، وخرجا من الباب الخلفي، ثم هبطا درجا خشبيا منحدرا إلى رقعة مرصوفة من أوراق الشجر يطلق عليها الحديقة الخلفية. وبينما كانا يهبطان، لاحظت إلينورا قطعا من القماش الأخضر والأبيض تتدلى من الدرابزين، ربما كانت البقايا المتناثرة لأحد احتفالات رمضان. كان عجوزان ذاويان يرتديان الطربوش يدخنان النارجيل تحت شجرة لوز، وأسفل الدرج مباشرة جلس شاب أوروبي يرتدي نظارة يقرأ الجريدة، بينما رفيقه يدون ملاحظات في كتاب صغير. اختار البك مائدة بالقرب من مؤخرة الحديقة بجوار مغطس خال للطيور، وطلبا من النادل فنجانين من الشاي وقطعة من الكعك المحلى. وعندما انصرف النادل، اقترب الشاب الذي كان يدون ملاحظات من مائدتهما حاملا لوح نرد تحت ذراعه. كان رجلا نحيلا عصبيا، يرتدي سترة زرقاء قصيرة وسروالا رماديا فاتحا وقبعة تدخين مخملية مزينة بأزهار صغيرة. لم تتمكن إلينورا من تحديد لهجته بالضبط، ولكنها كانت قريبة من القوقاز. وبعد أن تبادل تحيات قصيرة مع البك، جذب مقعدا وأخذ يعد اللوح، وفي تلك الأثناء قفز قط ناصع البياض ذو عين زرقاء وعين صفراء في حجره، فداعبه وهو شارد الذهن بيد واحدة واستمرت الأخرى تعد اللعبة.
حدقت إلينورا إلى عيني القط غير المتجانستين على نحو غريب، وجلست على يديها حتى غاص المعدن الأسود البارد للمقعد في راحتيها. لم يكن ذلك هو ما توقعت أن ترى عليه مقهى أوروبا، هذه اللوحة الهادئة من الأثاث الحديدي والكروم. ولم تكن على يقين من تخيلها بالضبط، ولكنه لم يكن هذا. على أي حال، من اللطيف أنها خرجت. ثمة أشياء كثيرة كانت قد نسيتها؛ دفء الشمس على رقبتها ورائحة العنب. وبينما كانت تتأمل الأشياء المحيطة بها، تردد صوت الأذان عبر المدينة كسحابة رقيقة منخفضة، وحط أحد أفراد سربها على حافة المائدة. ظل واقفا لحظة، ثم ارتجف رأسه ناحية القط وحلق مبتعدا، ولكن البك وخصمه لم يلاحظاه.
قال الشاب وهو يقرع أحد قطع البك خارج اللوح: «ثلاثة-أربعة.»
أمسك البك بالنرد ونفخ في تجويف راحة يده. كان بحاجة إلى خمسة أو واحد كي يعيد القطعة المطرودة إلى اللعبة.
قال خصم البك مشيرا على ما يبدو إلى محادثة سابقة: «إن نائب الملك لديه بعض الخيارات.»
فقال البك: «بالفعل!» وقذف النرد فحصل على ثلاثة-خمسة، ثم أعاد القطعة إلى اللوح، وتابع قائلا: «ولكن ربما يكون الخيار الأفضل هو الانتظار.» «لا يسع المرء سوى الانتظار.»
ظل الرجلان يلعبان في صمت عدة أدوار. كان البك يكسب، فالقطع الخاصة به غير مكشوفة وتتحرك بثبات نحو الهدف. انحنت إلينورا وتركت نفسها تستغرق في إيقاع اللعبة وصوت حركة القطع وقرع النرد، واختبأت فيه كما لو كان مناقشة فلسفية عميقة، تاركة حوائط اللوح الخشبي البسيط تغلق عليها. وهب نسيم عبر الكروم، فشعرت بدفء المقعد أعلى ظهرها.
قال الشاب وهو يشير إلى الشاي والكعك: «يبدو أنك لست صائما في رمضان.»
अज्ञात पृष्ठ