कार्ल बुबेर: सौ साल का प्रबुद्धता
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
शैलियों
Scientific Socialism
كان مخطئا من جهتين لا من جهة واحدة. كان مخطئا في فهمه للمجتمع ومخطئا في فهمه للعلم. وقد تكفل بوبر في كتاباته كلها تقريبا ببيان هذا التهافت الذي لا يسم ماركس وحده، بل يسم جميع التاريخانيين الذين أسكرهم نجاح العلوم الطبيعية في التنبؤ، فظنوا أن العلوم الاجتماعية موكولة بالكشف عن قانون تطور المجتمع حتى يتنبأ بمستقبله. ربما أمكن وصف هذه الدعوى بأنها الدعوى المركزية في المذهب التاريخاني. لقد ظن ماركس أنه عثر على «قوانين حركة المجتمع » مثلما عثر نيوتن على قوانين حركة الأجسام الفيزيقية. وهو ظن يقوم على فهم خاطئ للمجتمع، فالمجتمع ليست له حركة شبيهة بحركة الأجسام أو مماثلة لها على أي نحو من الأنحاء، فمثل هذه القوانين لا يمكن أن يكون لها وجود. يقول ه. أ. فيشر: «لقد تبين الناس في التاريخ خطة وإيقاعا منتظما ونمطا مرسوما، ولست أرى فيه إلا مفاجأة تتلوها مفاجأة، أو مجرد واقعة واحدة كبرى يستحيل علينا أن نصدر التعميمات بشأنها، لأنها واقعة فردة.»
قد ينكر التاريخانيون دعوانا بأن عملية التطور عملية فردة، ويستندون في ذلك إلى فكرة أن دورة الحياة المتدرجة من الطفولة إلى الشباب إلى الشيخوخة تنطبق على المجتمع مثلما تنطبق على الفرد، وهم يقدمون أمثلة تبين أن «التاريخ يعيد نفسه»، فينبشون في قديم التاريخ وحديثه عن «تشابهات» و«توازيات» تؤيد زعمهم. لكن هذه ليست أكثر من مثال من أمثلة النظريات الميتافيزيقية الكثيرة التي يبدو أن الوقائع تؤيدها. ولو دققنا النظر في هذه الوقائع لتبين لنا أنها اختيرت في ضوء النظريات عينها التي نريد اختبارها بها (انظر ما قلناه في ذلك في الفصل الأول).
وقد يقرر التاريخانيون أن عملية التطور، حتى ولو كانت وحيدة في نوعها، فباستطاعتنا أن نتبين فيه «ميلا» أو «اتجاها»، وأن نتنبأ بوجهته في المستقبل. وهم في ذلك يقعون في تقليد أعمى لعلم الطبيعة والفلك. ذلك أن نجاح التنبؤات البعيدة المدى في علم الفلك إنما يعتمد كل الاعتماد على ما للمجموعة الشمسية من طابع تكراري
Repetitive
موقوف
Stationary ؛ أي أن نجاح التنبؤات معتمد في هذه الحالة على إهمالنا لكل عوارض التطور التاريخي. ومن الخطأ أن نستدل من ذلك على إمكان التنبؤات التاريخية البعيدة المدى الخاصة بالأنساق الاجتماعية غير التكرارية.
وقد يقول التاريخانيون إن «الاتجاهات» و«الميول» أمور ظاهرة في التغير الاجتماعي ولا يجوز الشك في وجودها، وباستطاعة كل مشتغل بالإحصائيات حسابها. أليست هذه الاتجاهات شبيهة بقانون نيوتن في القصور الذاتي؟ ونحن نجيب على هذا بالقول بأن الاتجاهات موجودة فعلا، أو بعبارة أدق إن فرض وجود الاتجاهات كثيرا ما يفيدنا بوصفه حيلة إحصائية. لكن الاتجاهات شيء والقوانين شيء آخر. فالقضية القائلة بوجود اتجاه معين هي قضية وجودية، وليست قضية كلية. (أما القانون الكلي فلا يقرر وجودا، بل إنه على العكس من ذلك يقرر استحالة وجود شيء أو آخر). والقضية القائلة بوجود اتجاه ما في مكان وزمان معينين هي قضية تاريخية مخصوصة، وليست قانونا كليا. ولهذا الوضع المنطقي أهمية عملية كبرى، إذ باستطاعتنا أن نقيمها على مجرد وجود الاتجاهات (كما يعلم كل إحصائي حذر). فالاتجاه الذي بقي ثابتا لا يتغير مئات بل آلافا من السنين (وليكن نمو السكان مثالا على ذلك) قد يعتريه التغير في سنوات معدودات.
38
وجملة القول إن من أهم المغالطات التي يقع فيها التاريخانيون هي أنهم يستعيرون أمثلة من التنبؤات من العلم الطبيعي باعتبارها تشكل ماهية التنبؤ العلمي، ويفوتهم أن هذه التنبؤات لا تنطبق إلا على الأنظمة التكرارية الموقوفة المعزولة، ثم يريدون أن يطبقوا منهج التنبؤ العلمي على المجتمع البشري والتاريخ الإنساني. إن التاريخ الإنساني بطبيعة الحال ليس نظاما معزولا (والحق أنه ليس نظاما على الإطلاق)، فهو في تغير مستمر، وفي تطور دائب غير تكراري (لا يعيد نفسه). كل حادثة في التاريخ هي حادثة مفردة جديدة فذة، ومتمايزة أنطولوجيا عن أي حادثة أخرى، ولهذا السبب فإن من الممتنع من حيث المبدأ إمكان وضع تنبؤات علمية غير مشروطة فيما يتعلق بالتاريخ البشري. أما فكرة أن نجاح التنبؤ بالكسوف يقدم أملا في نجاح التنبؤ بتطور التاريخ البشري، فقد تبين أنه يقوم على سوء فهم فادح، وأنه مغلوط تماما. يقول بوبر في «الحدوس الافتراضية والتفنيدات»: «إن واقعة أننا نتنبأ بظواهر الكسوف والخسوف لا تقدم إذن مبررا صحيحا لأن نتوقع أن بإمكاننا أن نتنبأ بالثورات.» (19) لا معنى في التاريخ إلا ما نضفيه عليه نحن في معنى
अज्ञात पृष्ठ