============================================================
مختلف فيه تضاد وتغاير، ولما فيه من التغائر له حظ من الفتور عن الصبر على صرف الحق، ولهذا كان لكل عامل فترة ظاهرة أو باطنة، وذلك لأن الفترة قد تكون في صورة العمل فلا يعمل أصلا، وقد تكون في عدم الروح و إلى التلذذ بالعمل، وإن لم تقع فترة في صورة العمل فيعمل بلا تلذذ وإذا كان لا بد من الفترة فالقاصر يضيعها بالكلية بحيث لا يكون له ولا لغيره فيها حظ من العبادة ويجعلها استرواحا للنفس وركونا إلى البطالة، فتصير النفس بذلك ثقيلة جامحة ميالة إلى الشر غير راغبة للخلوة مرة أخرى كأنها قد أنقذت من النار فتكره العود إليها.
تصرف الكامل حال الفترة: والكامل لما رأى في صرف الفترة إلى الاسترواح والركون إلى البطالة هذه الإفادة العظيمة احترس عنها كل الاحتراس، فمن بلغ رثبة المشيخة من الكمال انصرف قسم فترته إلى إرشاد الخلق فأفلح الخلق بقشم فترته وكفى بذلك عبادة، فما ضياع قسم فترته كضياعه في حق القاصر حتى يصير سببا لقوة نفسه، وإذا كان الضياع سببا لقوة النفس فالمريد القاصر يعود إلى الإقبال على الله تعالى في الخلوة من الفترة مع قوة شره النفس وحدة طلبها هواها، والشيخ الكامل يكتسب بقسم فترته فضيلة لنفسه من نفع الخلق، فيعود إلى الإقبال على الله تعالى في إطار خلوته المستفيضة خاص حاله بنفسي مشرئبة أي ميالة إليه باكتساب فضيلة النفع فلم يحصل لها شره وطلب هوى، بل يكون مشرئبا به أكثر من اشرتباب المريد عند عوده من الفترة إلى الخلوة، وإن كان مع حدة إرادته، لأن إرادتها عارضها الشره وطلب الهوى.
पृष्ठ 93