72

कराइस बयान

عرائس البيان في حقائق القرآن

शैलियों

( واذكروه كما هداكم ) أي : اذكروه بلسان عرفان نعمة تعريف نفسه لكم ، كما هداكم إلى معرفته وخصائص قربته ، ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) أي : إذا بلغتم مقام مشاهدة المذكور بعد احتراقكم بأنوار ذكره ، اشتغلوا بما يشتغل العوام من رسم العبادات ؛ لكي لا تفنوا في بحار الوجد ( واستغفروا الله ) من فترتكم عن الأحوال واشتغالكم بالأعمال ( إن الله غفور ) تقصيركم فيما وجب عليكم حق معرفته ( رحيم ) عليكم بأن يردكم إلى حالاتكم ومقاماتكم.

قال ابن عطاء : إذا عمرتم بواطنكم بذكري ، واستفرغتم الوسع فيه ؛ فارجعوا إلى ما رجع إليه العوام من القيام برسوم العبودية ، واستغفروا عن اشتغالكم بغيره ، ( إن الله غفور ) للمطيعين تقصيرهم في طاعاتهم ( رحيم ) بالعاصين أن يردهم برحمته إلى بابه.

وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : الإشارة فيه أن لا تعلم نفسك بما تمتاز عن أشكالك في الظاهر لا بلبسه ولا بخرقة وصبغة ؛ بل يكون كواحد من الناس ، وإذا خطر ببالك أنك فعلت شيئا أو بك أو لك أو منك شيء فاستغفر الله عز وجل ، وجدد إيمانك فإنه شرك خفي خامر قلبك.

( فاذكروا الله كذكركم آباءكم ) أي : فاذكروني ذكر من يعلم في جميع الأحيان أنه ولده أحد ؛ لأنه ذكر لا يسقط عن الإنسان أبدا في حياته ، فهكذا ينبغي ذكر خالق الآباء والأمهات ، وأيضا فاذكروني كذكر الطفل أباه في جميع ما أراد ؛ لأنه يأوي إليه في جميع مراده ، وأنه يعلم أن ليس له ملجأ إلا أبيه ، فأدب الله بهذه الآية شرائط المعبودية بنعت الذكر ، وأيضا وبخ الله عباده بذكرهم غير ربهم ، وهذا المعنى مبهم على أكثر المفهوم.

وقيل : معناه أنك تذكر إحسان أبيك إليك ، فتذكره بذلك أبدء وإحساني إليك أقدم وأكثر ، فاذكرني كما تذكر أباك.

وقال بعضهم : اذكروني بالنعماء يرد عليك زوائد الآلاء.

وقال الواسطي : ذكر عارضي ، ودعاء عادني ، كيف يرجي بركاته أو نماؤه أو زيادته.

سئل أبو يعقوب المكي كيف نذكر الحق كذكر الأب فقال : أعلم أنه إذا ضربك ، فإنه أدبك لحبه لك ، وإذا سلبك فأعلم أنه أعطاك بقربه منك ، وليس يسعك سوء الظن به لشفقته عليك.

وقال ابن عطاء : يوما لأصحابه اذكروا الله بألسنتكم حتى لا تتحرك لغيره ، واذكروه بقلوبكم حتى لا تتفكروا لغيره ، واذكروه بأسراركم حتى تحيى به ، واذكروه بأرواحكم حتى

पृष्ठ 82