263

कराइस बयान

عرائس البيان في حقائق القرآن

शैलियों

قوله تعالى : ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) بين الله سبحانه في هذه الآية أن أمر النبوة ليس من طبائع الخلق والخليقة ، ولا للاكتساب فيه مدخل ؛ إنما يتعلق باصطفائية أزليته واجتبائية أبديته ، وبين موضع السهو والنسيان الإنساني ، وبين أن التنزيه عن الغلط والسهو لا يكون إلا لله تعالى ، عجز الخليقة عن إدراك قدس الأزلية والخروج عن علة البشرية بالكلية ، وأدبه ليلقى أزمة الأمر إلى مراد الله ولا يزيد إلا ما يريد ، قال : ( ولا تجادل ) أي : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم وحظوظها على مراد الله ومحبته وخيانتهم مع أنفسهم أنهم عاهدوا الله أن يبذلوا نفوسهم إليه ليفعل بها ما يشاء ، ليربيها بحسن قربته وحلاوة وصلته ، فلما أعطوا حظوظها نقضوا عهد الأول ، وألقوا أنفسهم في ظلمات هواها حتى بقيت في الحجاب عن الوصول إلى العهد الأول ، وهذا غاية الخيانة مع النفس.

قال بعضهم : خيانة النفس اتباع مرادها وترك نصيحتها.

قال الحسن بن علي الدامغاني : من خان الله في السر هتك سره في العلانية.

قوله تعالى : ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ) أي : يسترون من الناس معايبهم ، وخيانتهم تعميهم عن رؤية عجز الناس وقلة قدرتهم بدفع المضرة وإعطاء المنفعة ؛ لأنهم عاجزون في قبضة التقدير ، وعظم الخلق في قلوبهم من قلة عرفانهم عظمة الله وجلاله وإحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى ، ولا يستترون من الله ؛ لأنهم ليس لهم استعداد عرفانه الذي ثمرته الخوف والحياء من الله سبحانه ، قال عليه السلام : «أنا أعرفكم بالله ، وأخوفكم منه» (1)، بين أن زيادة الخوف من زيادة العرفان.

وقوله : ( ولا يستخفون من الله وهو معهم ) أي : لا يستترون من الله في مباشرة القبائح ، وهو محيط بظاهرهم وضمائرهم وإراداتهم ، لا يعرفونه بنعت الإحاطة ، وأنهم لا يقدرون بالاستتار عنه ، وهذا نفي فائدته بيان عجزهم عن الاستتار عنه ، ومعناه أنهم يستحيون من الخلق ولا يستحيون من الخالق.

قال محمد بن الفضل : من لم يكن أعظم شيء في قلبه ربه كان جاهلا به ومبعدا عنه.

( ولو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (113) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر

पृष्ठ 273