195

कराइस बयान

عرائس البيان في حقائق القرآن

शैलियों

قال الواسطي : أي كونوا كأبي بكر لما كانت لنسبته إلى الحق أتم لم يؤثر عليه فقدان السبب ولما ضعف نسبتهم أثر عليهم ، فعمر بن الخطاب قال : «من قال مات محمد ضربت عنقه» ، وأبو بكر نظر إلى ما دل عليه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، فقرأ : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ).

قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) إن الله سبحانه خلق قلوب هذه الأمة وقت إيجادها في رؤية جمال القدم ، ونورها بالحسن والرجاء ، وأخرج أرواحها من العدم إلى عالم البسط والسرور ، وسنا المشاهدة والسماع والحور ، وألبسها خلق اللطف ، فصارت مستعدة لرؤية الألطاف قابلة نور الأنس ، ومن كمال حكمة الله ولطفه علينا خلق نبينا صلى الله عليه وسلم على خلق البسط وروح الإنس ، فوافقت المرافقة ، وحصلت في البين أهلية ، ودانت الأرواح وقربت الأشباح ، فبقيت الحشمة وفنيت الغلظة ، وصار رحمة تامة لهذه الأمة المرحومة ، وتصديق ذلك قوله تعالى : ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) تبين من الخطاب لطف الجانبين نسب الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان غير متكلف في التليين ؛ لأنه كان مخلوقا باللطف والكرم من الله ، وفيها الإشارة إلى تأديب الصحابة ، أي لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يدقق عليهم أحكام الحقائق لضاقت صدورهم ، ولم يتحملوا أثقال حقيقة الآداب في الطريق ، ولكن سامحهم بالشريعة والرخص بحقائق ما أوجبه الله عليهم ، وتصديق ذلك قوله تعالى : ( فاعف عنهم واستغفر لهم ) فالعفو والاستغفار من مسامحة الله لهم ، فاعف عنهم تقصيرهم قلة عرفانهم أقدارك ، واستغفر لهم ما يجري في صدورهم من الخطرات التي لا تليق بالمعرفة ، وما يجري على صورهم من الحركات التي لا تليق بصحبتك ومجالستك ؛ لأنك مستغرق في الربوبية ، وهم يطلبونك في مقام العبودية ، وهم في وصف المحبة والإرادة ، فأنت في محل التوحيد مشاهد مطالع شموس الآزال وأقمار الآباد (1).

قال الواسطي في قوله : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ): جميع أوصافك وما يخرج من أنفاسك رحمة مني عليك وعلى من اتبعك.

وقال ابن عطاء : لما علا خلقه جميع الأخلاق عظمت المؤنة عليه ، فأمر بالغض والعفو والاستغفار.

पृष्ठ 205