इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
ثم تحول الاستشراق اللغوي إلى الاستشراق الأنثروبولوجي والاجتماعي بالتركيز على الإنسان الأفريقي الآسيوي؛ عاداته وسلوكياته ومنظومات قيمه وذاكرته ورؤيته للعالم؛ حتى يمكن الاستيلاء عليه إلى الأبد بعد حركات الاستقلال الوطني، والتحول من الاستعمار العسكري والاقتصادي المباشر الوقتي إلى الاستعمار الثقافي والحضاري الأبدي عن طريق الفرانكفونية والأنجلوفونية والهسبانوفية والبرتغافونية. حدث في كندا والمكسيك ودول أمريكة اللاتينية والهند والفلبين ومعظم دول أفريقية.
ثم تحول الاستشراق الأنثروبولوجي الاجتماعي إلى الاستشراق السياسي بعد الصحوة الإسلامية والثورة الإسلامية في إيران، وانتشار الإسلام في أوروبة، وظهور دول إسلامية مثل ألبانيا والبوسنة والهرسك في شرق أوروبة؛ فبدأ التعامل مع الظاهرة الإسلامية والحركات الإسلامية الممثلة لها، ومستقبل الإسلام السياسي. وانضم الجيل الجديد إلى المستشرقين التقليديين علماء السياسة، وتم التحول من دراسة الماضي إلى الحاضر من أجل التنبؤ بمستقبل هذه المنطقة، وإعداد سيناريوهات المستقبل للسيطرة عليها حتى لا يؤخذ الغرب على غرة كما حدث في الثورة الإسلامية في إيران. وانتشرت المؤلفات عن الإسلام السياسي، وعقدت مئات المؤتمرات الدولية والندوات المحلية والإقليمية في الموضوع لمعرفة ماذا يجري في العالم الإسلامي الآن. وهل هي صحوة تريد العودة إلى الخلف؟ وكيف يمكن إجهاضها وهي في بدايتها حتى لا تكون قطبا ثانيا في مواجهة القطب الأوحد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية باسم العولمة، والقضاء على المصالح الغربية على حدوده الجنوبية والشرقية؛ النفط وعوائده، والمواد الأولية والأسواق، والموقع الاستراتيجي، وإسرائيل إذا ما عادت الحرب الباردة، وعاد الاستقطاب؟
ثم تحول الاستشراق السياسي إلى الاستشراق الصحفي عندما تحول الإسلام إلى بضاعة رائجة، وأصبح على كل لسان. حدث ذلك بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م لإشباع نهم الغرب لمعرفة ما هذا الإسلام الذي استطاعت إحدى تنظيماته، القاعدة، تدبير مثل هذا الهجوم المباغت على أهم مدينتين، نيويورك وواشنطن، في أقوى دولة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، وتدمير رموزها، مركز التجارة العالمي، ووزارة الدفاع؛ أي المجتمع الاقتصادي والعسكري. واختلط الاستشراق بالإعلام، وأصبح الإعلاميون كبار المستشرقين يملئون الصحف والعواميد الخاصة، وافتتاحيات رؤساء التحرير بمقالات وأحاديث، ومقابلات عن الإسلام والمسلمين، وعلاقة الإسلام بالغرب وخطر الإسلام، والعنف والجهاد في الإسلام. وتحول الاستشراق من قراءة النص إلى تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي للمسلمين، من وصف التاريخ إلى وصف منظومة القيم الإسلامية ورؤية الإسلام للعالم، وإصدار الأحكام المطلقة على جوهره وحقيقته. وانتشرت مناهج الملاحظة والمقابلة بدعوى الرغبة في معرفة «الإسلام الحي» الذي يعيشه الناس، يحدد تصورهم للعالم، ويعطيهم قواعد للسلوك.
والأخطر من ذلك كله تحول الاستشراق الصحفي إلى الاستشراق السياحي؛ فقد انضم إلى جوقة الصحفيين جوقة أخرى من الأساتذة الشبان، بل وطلاب الدراسات العليا، للحضور إلى العالم الإسلامي، وملاحظة ما يدور فيه، والحديث مع بعض علمائه ومثقفيه وقادته وسياسييه، ولو أمكن بعض أمراء الجماعات الإسلامية وأعضائها لحكاية تجاربهم وقص حياتهم. هي دراسات حية أكثر تشويقا من الاستشراق التاريخي اللغوي القديم، بل تحولت معظم أقسام الدراسات الإسلامية والعربية في الجامعات الغربية إلى أمثال هذه الدراسات المعاصرة، وتم الانتقال من المتنبي إلى سيد قطب، ومن ابن سينا إلى محمد عبد السلام فرج، ومن ابن رشد إلى أربكان، ومن المعتزلة إلى القاعدة، ومن الأشعرية إلى جماعات الجهاد. وانضمت دور النشر إلى المهرجان، تدعم الباحثين الشبان بالمال، وتحدد لهم موعد إنهاء الدراسة بستة شهور أو سنة على أكثر تقدير لإعداد أنجح كتاب عن الإسلام والمسلمين وأوسعها انتشارا؛ فتربح الملايين. لا فرق بين المنطق الإسلامي والبساط السحري، بين مؤلفات الفارابي وعالم الحريم، بين رسائل إخوان الصفا وألف ليلة وليلة. وهرع الأساتذة الشبان من جميع التخصصات من العلوم السياسية والاجتماعية والأدبية واللغوية والدينية وتاريخ الأديان لملء فراغ السوق بعد أن راج الكتاب الإسلامي، وصدرت عشرات الطبعات له، وكسب المؤلف والدار، وعمت الأفكار المسبقة، وأطلقت الأحكام النمطية. وضم إلى الكتاب بعض الصور المثيرة عن عصر الحريم وبذخ الأغنياء؛ الخيمة والقصر، الجمل والمرسيدس. هجر معظم الباحثين الشبان العلم، تركوا الجامعات، وعملوا في دور النشر وبعض مؤسسات الرأي العام، يتطلعون للشهرة والكسب بعيدا عن الكتب العلمية غير الرائجة، وبطالة العلماء وأساتذة الجامعات.
العصر عصر الإعلام، والاتصالات، والثقافة الاستهلاكية، والوجبات السريعة. وتدخلت رءوس الأموال الأمريكية والصهيونية والمحافظين الجدد لنشر مثل هذه الكتب تحقيقا لمقولة صدام الحضارات، وإخراجها من عمل الخاصة إلى شغل العامة. وتم الترويج لبعض الصور النمطية عن الإسلام والعنف والإرهاب والتخلف وتهميش المرأة وانتهاك حقوق الإنسان والتسلط والقهر. فيزداد العداء للإسلام والمسلمين، ويسخر من رموزه وشعائره كل يوم في أجهزة الإعلام، ويثار غضب المسلمين ويتظاهرون ويحتجون.
ويكسب الغرب من جديد، وينصب نفسه حاميا لحرية التعبير والرأي أمام فتاوى قتل الروائيين والسينمائيين والإعلاميين التي يصدرها علماء المسلمين تأكيدا لسلطتهم الدينية والسياسية، والقدس لا تجد من يدافع عنها أو يفتي بعدم جواز الصلاة في الدار المغصوبة كما أفتى القدماء؛ فيبتعد المسلمون عن قضاياهم الوطنية، ويصبح الإسلام محاصرا بين أعدائه وجهل علمائه وعجز أبنائه.
هل تعود أوروبة لاستقلالها؟
2
بدأ تصدع الجبهة المعادية للحكومة الفلسطينية، وبدأ الحلف الأوروبي الأمريكي الصهيوني في التفكك بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وتعيين وزراء الخارجية والداخلية والمالية من المستقلين لإزاحة ذريعة مقاطعة حماس، وأصبح موقف الرباعية أكثر تفهما لحاجات الشعب الفلسطيني وتطلعاته لحياة كريمة، وبدأت البلاد الشمالية وفي مقدمتها النرويج بكسر هذا الحصار بالتعامل مع حكومة الوحدة الوطنية؛ فالسلطة الوطنية وليدة أوسلو. وكانت روسية من قبل قد كسرت الحصار بالتعامل مع حماس، وهي الصديق التقليدي لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث.
فكيف تسترد أوروبة استقلالها عن الولايات المتحدة الأمريكية، وتستعيد ثقتها بنفسها، وتسترد قيادتها التقليدية للعالم قبل بزوغ نجم الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ووراثة أوروبة في السيطرة على مستعمراتها، بل واحتلال أوروبة نفسها بزرع القواعد العسكرية في ربوعها خاصة في ألمانية؟ كيف يعود إلى أوروبة وعيها المفقود باستقلالها الذي طالما دافعت عنه في فلسفاتها منذ ديكارت وكانط وفشته وباور وهوسرل وبرجسون، خاصة في ألمانية، وهي التي تتبع في سياستها الخارجية الانحياز إلى الولايات المتحدة؟
अज्ञात पृष्ठ