इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
ثم تأسست الجمعيات الأدبية والعلمية والفنية والثقافية، وتكونت جماعات الشعر والقصة، والنقد الأدبي والفني والسينمائي، ثم قامت الاتحادات العامة للكتاب والفنانين والأدباء لتساهم في النشاط الثقافي المستقل وإن كانت، طبقا للقانون، تخضع لإشراف وزارة الشئون الاجتماعية، مثل جماعات المسنين والمهاجرين والصعايدة من أجل الضبط الأمني، وليست جزءا من وزارة الثقافة التي قد تعينها ماليا حتى لا ينفصل الجنين عن الأم، ويبقى الحبل السري قائما في علاقة تبعية علنية أو ضمنية.
وفي نهاية المطاف انضم الملوك والأمراء إلى الثقافة مساهمين في نشاطها وحركتها من داخل القصور؛ فيعقد الملك صالونه الثقافي خاصة في رمضان بمناسبة الشهر الكريم، ويسميه باسمه الأول مثل المسجد تيمنا به. ويجتمع مع العلماء، وهم في الغالبية الفقهاء، بالملابس الرسمية، كما هو الحال في حفلات البلاط أو المسرح أو الأوبرا أو في الأفراح والمآتم الرسمية لرجال الدولة والأعمال. ويتناقش الملك مع العلماء، عالما مع عالم، وفقيها مع فقهاء، بالحجة والبرهان؛ فالملك هو العالم الأول، والفقيه الأول، والفنان الأول. وهو ما سماه الفلاسفة قديما العقل الأول أو النفس الكلية. يغلب عليها الثقافة الدينية؛ فالدين هو أساس الدولة، ويعطيها شرعيتها. والملك هو أمير المؤمنين، ورئيس لجنة القدس التي ما زالت محتلة، وإن لم يصل بعد إلى خليفة المسلمين. وقد تتغير الثقافة الدينية إلى ثقافة علمية؛ فقد خرج العلم في تراثنا القديم من الدين، وكان الفقهاء علماء، والعلماء فقهاء؛ ومن ثم يظهر الملك عصريا؛ فالعصر عصر العلم. وتشارك النساء الرجال حتى يبدو الملك عصريا أمام الغرب الذي يتهم الإسلام والمجتمع الإسلامي بالذكورة والتخلف دفاعا عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وضد شبهات تعدد الزوجات والطلاق والميراث وعدم جواز رئاستها للدولة؛ الإمامة الكبرى، وإن جازت لها الإمامة الصغرى؛ الصلاة بالنساء. وقد تكون الغاية من ذلك كله التغطية على النظام السياسي، وما يمثله من قهر وتصفية للمعارضين ، وتحسين صورة الملكية في ذهن الشعب، والدخول إلى القلوب من باب الثقافة والفن بعد أن انسد باب السياسة والحكم. ويقبل فقهاء السلطان المشاركة في هذا «الديكور» الثقافي، ويتقبلون الهدايا والعطايا، وينالون الحظوة والتكريم، والكرم من شيم الملوك، في حين يستبعد فقهاء الشعب وعلماء الأمة الذين يمثلون مصالح الجماعة، ويفتون لصالح الناس. وفي تاريخنا انقسم الفقهاء قسمين؛ الأول نال الخلعة والصرة والمركبة والمنصب، وهم فقهاء السلطان؛ والثاني اعتقل وسجن وعذب وطرد وقتل، وهم فقهاء الأمة. والتاريخ يكرر نفسه.
وقد تنضم زوجات الأمراء لهذه الصالونات الثقافية؛ فالثقافة زينة المجالس وتاج الملوك وصولجان الأمراء، مثل السيوف المعلقة على جنوبهم، والخناجر المدفونة في خواصرهم، مذهبة ومرصعة بالجواهر، ولهم فيها مآرب أخرى.
وظيفة الثقافة بالإضافة إلى الزينة قضاء الوقت؛ فاليوم طويل، وزوجات الأمراء لا يظهرن في الاحتفالات العامة، ولا يصحبن أزواجهن في الأسفار الرسمية، ولا توجد ألقاب «السيدة الأولى». وتقع المنافسة بين زوجات الأمراء والملوك والرؤساء حول الصدارة الاجتماعية، والتسابق نحو خدمة المعاقين والأطفال والمسنين والمحتاجين، ونشر الثقافة بين الناس، وزيادة المدارس وملاجئ الأيتام دون المعذبين والمعتقلين في السجون. والهدف هو التغطية والتعمية عن سياسات ذكورية أخرى تتعاون مع الأجنبي المحتل، وتسمح بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها، ومراكز قيادة لأساطيل في مياهها لضرب جيرانها العرب والمسلمين.
وقد يكون الهدف أقل من ذلك التشدق بحرية الرأي، واحترام الرأي والرأي الآخر، والانفتاح على ثقافات العالم في عصر العولمة، واللحاق بالعصر مثل المباني الشاهقة، والمطارات الدولية الشاسعة، والموانئ الضخمة والشركات العالمية، والتحول من دولة صغيرة إلى دولة كبرى، ومن جزيرة في بحر إلى قارة من القارات. وزهرة الصالون الثقافي في آية من الجمال والأناقة واللباقة، تسر الناظرين، يهرع إلى صالونها المثقفون والأدباء والعلماء لنيل الحظوة والشرف مع العشاء الفاخر في قصر السلطان، وفتح أبوابه مثل قصر الجبلاوي في «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ الذي يهابه الناس، وقد يكون خاويا إلا من شبح يسهل التخلص منه.
الصالونات الثقافية مثل دوائر الحكم للنخبة وليست للشعب. ثقافة عالمة وليست ثقافة شعبية. قد يتم تناول الفن الشعبي والشعر الشعبي كفن شعبي دون أي مردود ثقافي أو سياسي، أو تحليل لأنساق القيم السلبية فيه، والتي هي خير دعامة للنظام السياسي. وقديما غنى أساطين الغناء رجالا ونساء للفنون ورعايتها من الملوك.
لم يتغير الكثير في حياة العرب إبان الثورات العربية الأخيرة على مدى أكثر من نصف قرن من ثقافة صالونات الملوك والأمراء إلى ثقافة الرؤساء، عسكريين من الجيش أو الشرطة من خلال المؤسسات الثقافية التابعة للدول. وما دام الله في التصور سلطانا فإن السلطان في الواقع يتحول إلى إله، ويغني الفنان لمديح الله والسلطان.
المال والثقافة
ازدادت أسعار النفط إلى حد كبير هذه الأيام، ووصل سعر البرميل الواحد حدود المائة دولار، ويتوقع البعض وصوله إلى حدود المائتين إذا ما اعتدت أمريكة أو إسرائيل أو هما معا على إيران، أو إذا ما اعتدت إسرائيل على سورية أو لبنان، أو إذا ما وقع حرب في الوطن العربي لسبب أو لآخر.
وبالرغم من أن قسطا كبيرا من العوائد تعود إلى شركات النفط، وباقي حقوق العرب في البنوك الأجنبية، والأقل منها يستثمر داخل الوطن العربي، إلا أن استثمارات هذه العوائد تقوم بها شركات البناء الأجنبية لأضخم المطارات في العالم، وأعلى البنايات، وأوسع الطرق وأمتنها، وشبكات الاتصالات داخل كل القطر العربي الذي به آباره. وكلها من مظاهر الدولة الحديثة. ولا يتم تخطيط ذلك على مستوى الوطن العربي كله، حمايته لوحدته، وربط مدنه بشبكة طرق سريعة، أو بشركات طيران عربية، أو اتصالات عربية، أو بإعادة البنية التحتية للأقطار الأقل تميزا، أو إقامة مشاريع تنموية مشتركة، خاصة ما يتعلق منها بالغذاء والصناعة والتعليم، حتى إذا ما نضب النفط، فهو سلعة مؤقتة تنفد بمرور الزمن، وجدت صناعات تحويلية بديلة قادرة على توفير العوائد البديلة.
अज्ञात पृष्ठ