इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
كما تجد مصر عونا جديدا لها بدلا من الاعتماد الكلي على الغرب والولايات المتحدة في تنميتها وقضاياها الوطنية. كما يساعد التكتل الجديد على تحرير العراق واسترداد استقلاله ووحدة شعبه وأرضه، وعلى الدفاع عن سورية ضد مخاطر التهديد الإسرائيلي الأمريكي، بل يساعد على انصهار فرقاء النضال والخصوم السياسيين في إطار وطني واحد، في لبنان والمغرب العربي، والسودان والصومال، ونزع فتيل التوتر في شبه الجزيرة العربية، وحماية الأمن القومي الخليجي من الإحساس بالخطر الإيراني النووي والمذهبي.
والصحوة الإسلامية الحالية عنصر مشترك في مصر وتركية وإيران بأجنحتها المختلفة السلفية والإصلاحية، الليبرالية والاشتراكية. وليس فقط التاريخ المشترك على مدى آلاف السنين منذ ظهور الإسلام، بل أيضا الثقافة المشتركة التي توحد بين الشعوب، وكلاهما يوفران الحد الأدنى من التضامن بينها. لقد منعت تركية مرور القوات الأمريكية فوق أراضيها لغزو العراق من الشمال، واستعمال القاعدة الأمريكية إنجرليك لضرب العراق. والآن تبتعد تدريجيا عن إسرائيل، والتعاون معها في الصناعات العسكرية، وتأييد سياساتها الاستيطانية التوسعية؛ فقد وجدت في العرب البديل عن الغرب، وفي مصر البديل عن إسرائيل.
يستطيع هذا الثلاثي الجديد أن يحل باقي المشاكل العالقة بين تركية والعرب، مثل لواء الإسكندرونة على الحدود السورية التركية، وقضية الأكراد على الحدود العراقية التركية الإيرانية، وقضية التقسيم العادل لمياه دجلة والفرات بين العراق وسورية وتركية في عصر تشتد فيه أزمة المياه، وربما الحرب القادمة في المنطقة هي حرب المياه. كما يستطيع هذا التجمع حل مشاكل الجزر الإماراتية بما يحقق حسن الجوار على ضفتي الخليج في إطار من محافظات التكامل في مناطق النزاعات الحدودية التي تركها الاستعمار من أجل بث الفرقة بين الدول العربية والإسلامية. وفي هذه الحالة لا تخاف مصر من المد الإسلامي؛ إذ يصبح الإسلام أحد عناصر التعاون والترابط والحياة المشتركة، وينتهي الخوف من الخلاف السني الشيعي، أو المناطق الحدودية مثل عربستان، وحول تسمية الخليج العربي أو الفارسي؛ فالإسلام تجمع حضاري وليس جغرافيا. كما يحل النزاع بين سورية وتركية حول حزب العمال الكردستاني، وبين مصر وإيران حول التوجهات السياسية من أجل عودة العلاقات بين البلدين بعد انقطاعها على أكثر من ربع قرن، وهو ما لا يحدث في العلاقات الدولية، وكأن إيران تمثل خطرا على مصر أكثر من إسرائيل. كما ينتهي خوف إيران من ضربها من الولايات المتحدة الأمريكية عبر المنطقة العربية، وخوف الخليج من الخطر النووي المذهبي الإيراني.
إن تحقيق كومنولث بين مصر وتركية وإيران يعيد التوازن إلى المنطقة بدلا من ميل العرب نحو الغرب الأمريكي ومناهضة إيران له، وميل العرب إلى الصلح مع إسرائيل في مبادرة السلام العربية وخارطة الطريق وإنشاء دولة فلسطين في 1967م، وميل إيران إلى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، فلسطين 1948م، وفلسطين 1967م. وهو الذي يحمي المنطقة من الصراع المذهبي والعرقي، وإقامة تجمع سني في آسيا وأفريقية لمحاصرة المد الشيعي في العراق.
وهو الذي يعيد المعركة إلى جبهتها الأصلية في فلسطين، وحماية الأمة من الهيمنة الغربية الأمريكية بدلا من تغييب المعركة والانحراف بها إلى الداخل بين المذاهب والطوائف والأعراق.
وكما أن العصر هو عصر التكتلات الكبيرة، فإنه أيضا عصر الاستراتيجيات الكبرى التي يضعها الخيال السياسي ومسار الأمم في التاريخ.
الاستقطاب المصطنع
4
بالرغم من حالة التميع السائدة في السياسة الخارجية العربية يشتد الاستقطاب في السياسة الداخلية. الاستقطاب في الخارج شيء طبيعي بين العرب من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى، أما الاستقطاب في الداخل في حياة المواطنين فإنه مصطنع، يفرغ الطاقة، ويحيد عن الهدف. هو استقطاب مزيف لخلق معارك وهمية بدلا من المعارك الطبيعية التي حيدتها نظم الحكم في السياسة الخارجية في قضايا الحرب والسلام بالنسبة للقضية الفلسطينية، والتبعية والاستقلال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
يصل حد الاستقطاب في الداخل إلى حد الحروب الأهلية كما حدث في لبنان والجزائر بين الإخوة الأعداء. فريق يكفر فريقا، وفريق يخون فريقا. فشق الصف الوطني، وضاعت وحدة الأوطان، واختفت ثقافة الحوار، وأصبحت الأوطان مهددة ليس فقط بقوى التفتيت الخارجية وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، بل أيضا بقوى التفتيت الداخلية صراعا على السلطة بين فرقاء الوطن الواحد. الاستقطاب الخارجي استقطاب رئيسي تتحدد طبقا لقوانين الصراع فيه حياة الأمم والشعوب، في حين أن الاستقطاب الداخلي لا نفع منه في قضايا مفتعلة. وبلغة الأيديولوجيا، الاستقطاب الخارجي تناقض رئيسي، والاستقطاب الداخلي تناقض ثانوي. والرئيسي له الأولوية على الثانوي. الأول استقطاب عملي يغير مسار الشعوب، ويتحدد به مستقبل الأمم، في حين أن الثاني استقطاب نظري فقهي لا ينتج منه أي أثر عملي. ولا يحقق تقدما لشعب، بل يساهم في تأخره. ولا يحل مشكلة في حياة الناس، بل يزيد في تهميشها.
अज्ञात पृष्ठ