इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
من المسئول؛ الخارج أم الداخل؟
تتوالى الأحداث، وتشتد الأزمات، وتقع الإهانات في الوطن العربي يوما وراء يوم. ويعلو الصراخ، وتحرر المقالات عن قوى الهيمنة الجديدة، والعالم ذي القطب الواحد، وإمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية، والعولمة، والسوق، والحداثة، والقوة، وثورة الاتصالات. وكلها عوامل خارجية، شماعة لتعليق الأزمات والكروب والبلايا الداخلية عليها. ولما كان من الصعب تغيير العوامل الخارجية إلا على الأمد الطويل، ينتهي الأمر بقبول الأوضاع الحالية، واعتبارها قدرا لا مفر منه. ولا حل إلا الانتظار حتى تتغير الظروف الدولية، وتتبدل موازين القوى العالمية، ويتم الاستسلام للضغوط الخارجية فتصبح نظم الحكم تابعة للخارج. تتحالف معه كي تضمن سلامتها، وتأمن من العدوان عليها. ومصير العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال ماثل للعيان، ومشهد تعليق الرئيس العراقي السابق من حبل المشنقة محفور في الذاكرة لعدة أجيال وعند رؤساء الدول.
ولا حل في العاجل إلا الدفاع عن النظم السياسية حماية للأوضاع الداخلية، والحفاظ على الاستقرار السياسي حتى لا يهرب الاستثمار الخارجي، والاعتماد على أجهزة الأمن والشرطة حماية للأمن الداخلي، واستمرار العمل بقانون الطوارئ حماية للجبهة الداخلية، واعتقال مثيري الشغب وقادة المظاهرات والاضطرابات والاتحادات، وتجديد اعتقالهم إذا ما أفرجت عنهم النيابة العامة، وتقديمهم إلى محاكم عسكرية لسرعة الفصل فيها، والحكم بإطالة مدة الحبس، وتحويل الاعتقال المؤقت لبضعة شهور إلى حبس دائم لعدة سنوات لإطالة عمر النظم السياسية، وترحيل المشاكل إلى فيما بعد حتى نهاية الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وتستمر التبعية للخارج عن طريق التحالف معه، وقبول القواعد العسكرية، والدخول في حروبه، ومؤازرة عدوانه، وتبريره بإيجاد الشرعية له. ويستمر القهر في الداخل، والفساد في الحكم، ونهب ثروات البلاد، وبيع أصولها. فالخارج مطمئن إلى تبعية النظم له، والداخل مغلوب على أمره، يجري وراء لقمة العيش، والمعارضة إما ضعيفة نخبوية لا تستطيع تحريك الشارع، أو قوية ولكنها محظورة أو اضطرابات عمالية مهنية يستجاب لها حتى لا تتحول من مطالب فئوية مثل الأرباح، إلى مطالب سياسية تهدد نظم الحكم. وينتهي الأمر كله إلى الاستكانة وقبول الأمر الواقع لاستحالة البديل، طالما أن قلب السلطان ما زال ينبض بالحياة له ومن بعده،
قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (البقرة: 124).
والخارج لا يعتدي إلا بعد أن يكتشف المناطق القابلة للعدوان، لا يستعمر إلا إذا كان المستعمر قابلا للاستعمار. وكما يتم التنقيب عن النفط بالحفارات الأولى، وكما توجد المجسات على طبيعة التربة قبل حفرها والبناء عليها، كذلك توجد المجسات لدى قوة الهيمنة لمعرفة مدى قابلية الشعوب المستهدفة لتحقيق الأطماع، وهل هي مصمتة أم مفرغة، صلبة أم رخوة؛ لذلك يكثر جمع المعلومات عنها، ومعرفة ما لا يعرفه أهلها. ويعتمد على باحثين أوروبيين معروفين بدقة التحليل وجمع الإحصاءات، وعلى باحثين وطنيين لديهم رؤى حدسية بناء على التجارب المعاشة؛ فالحدود مفتوحة للباحثين الأجانب يجمعون ما يشاءون. ومراكز التصنت والاستخبارات وجمع المعلومات متطورة للغاية من خلال وسائل الاتصالات الحديثة.
والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فلا يتم العدوان على شعب من الخارج إلا إذا وجد شرعية له في الداخل مثل قهر الحاكم. وتكون الذريعة تخليص الشعب من التسلط والطغيان، وإرساء قواعد الديمقراطية. وهكذا تم غزو العراق وأفغانستان، وأخيرا الصومال، ويتم تهديد سورية والسودان وإيران. ويعلم العدو أن الشعب المعتدى عليه يريد الخلاص من حاكمه القاهر. ويزيد بعض النخبة: حتى ولو كان بيد أجنبي وعلى أسنة الرماح. بينما يفضل المناضلون الوطنيون: «بيدي، لا بيد عمرو.»
وتتعامل قوى الهيمنة مع نظم الحكم التابعة، وجرها إلى أحلاف الدول المعتدلة في مواجهة الدول المتطرفة، وتنسق أجهزة المخابرات أعمالها للطرفين، بل وتسمح بقواعد عسكرية على أراضيها بدعوى حمايتها من العدوان الخارجي من دول الجوار. وهي تعلم أن نظام الحكم هو شخص الحاكم؛ فهو الذي يقرر الحرب والسلام في غياب المؤسسات المستقلة والرأي العام القوي باستثناء فلسطين ولبنان، حيث تفرض المقاومة الشعبية سياستها على أنظمة الحكم؛ فالسلطان بؤرة الدولة وعمادها الأول، وهو صاحب القرار في الحرب والسلم، والمؤسسات التنفيذية والتشريعية تابعة له، والحزب الحاكم له السيطرة على مظاهر الحياة السياسية في البلاد. لم يستعد المثقفون الوطنيون في الداخل لإبراز ثقافة المعارضة، ومواجهة السلطان الجائر، واعتبار الشعب مصدر السلطة، وضرورة الاستشارة؛ فلا خاب من استشار، فتحسب قوى الهيمنة حسابها على أن هناك طرفا آخر في المعادلة غير رأس النظام، وهو الشعب؛ ثقافته وتاريخه وكرامته واستقلاله.
والآن يواجه الوطن العربي خطر التجزئة والتفتيت والتحول إلى فسيفساء عرقي طائفي، دويلات سنية وشيعية وكردية وعربية وبربرية وزنجية وإسلامية وقبطية ونجدية وحجازية، حتى تصبح إسرائيل أقوى دولة طائفية عرقية، وتجد شرعية جديدة لوجودها من طبيعة الجغرافية السياسية للمنطقة، بدلا من أساطير المعاد الأولى التي شرع بها هرتزل وجودها في أواخر القرن التاسع عشر. وتقع المسئولية على الداخل؛ على الثقافة العربية التي تركت مجتمعاتها عرضة للتمزق والتفتيت. ورثت نظام الملة العثماني، وتحويل الأمة إلى ملل وأعراق، ومذاهب وطوائف، سنة وشيعة، زيدية وشوافع، عرب وأكراد، مسلمين وأقباط، عرب وبربر، أرمن وموارنة، تركمان ودروز.
كل طائفة تجد هويتها في عرقها أو مذهبها؛ فغاب مفهوم المواطنة ومفهوم المواطن، والهوية الواحدة للوطن الواحد. وتركت مصطلحات الفقه القديم دون تغيير؛ أهل الكتاب، وأهل الذمة، والعادات الاجتماعية؛ نجدي وحجازي، صعيدي وبحراوي، بدوي وحضري، سود وبيض. ولم تنفع الأيديولوجيات العلمانية للتحديث ، كالليبرالية والقومية والماركسية والإسلامية المحافظة، في تحقيق الهويات الوطنية في العمق. وما زال فقه المواطنة في البداية تحمله نخبة مستنيرة من المفكرين الإسلاميين والأقباط؛ فكان من السهل رسم استراتيجية جديدة للمنطقة بأسمائها المختلفة، الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، والدخول إلى قلب المنطقة لتفتيتها، بداية بالعراق ثم السودان ثم الصومال؛ لأن الأرض تسمح بذلك.
وتركت الثقافة الموروثة تئن تحت عبء الفرقة الناجية، وهي فرقة الحكومة، والفرق الهالكة وهي فرق المعارضة، وأن الحق مع طرف واحد؛ فغابت التعددية السياسية، وعز الحوار الوطني، ووقع فرقاء الوطن الواحد في خصومات سياسية، موالاة ومعارضة، حكومة وشعب، كفار ومؤمنين، أبطال وخونة. فريق يكفر فريقا، وفريق يخون فريقا. يظل الحزب الحاكم في السلطة دون تداولها، ويبقى الرئيس مدى الحياة، ولا يترك الرئاسة إلا بموت طبيعي أو اغتيال سياسي أو انقلاب عسكري، وعرفت قوى الهيمنة ذلك بعد أن جست الأرضية التي تعمل فيها، وأيدت فريقا دون فريق، الموالاة ضد المعارضة، والأقباط دون المسلمين، والحكومة ضد الشعب، والمؤمنين ضد الكفار، أو الكفار ضد المؤمنين طبقا للمصلحة والظرف. وأيدت الجنوب ضد الشمال في السودان، والبربر ضد العرب في المغرب العربي كله، والبوليساريو ضد المغرب من أجل مزيد من تفتيت الأوطان. وجعلت نفسها حامية للأقليات العرقية والطائفية ضد اضطهاد الأغلبية لها. ونسي العرب
अज्ञात पृष्ठ