इस समय का अरब: बिना मालिक का देश
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
शैलियों
أحيانا تستعمل الديمقراطية من نظم الحكم للاستهلاك المحلي، ولاتقاء نقد أحزاب المعارضة والمزايدة عليها، وملء الساحة بالخطاب الديمقراطي حتى على مستوى الأقوال دون الأفعال. وإن حدثت أفعال فإنها تتم نفاقا ورياء، واجهة ديمقراطية دون مضمونها، مثل معظم مجالس الشعب والشورى القائمة التي أتت إما بانتخابات مزيفة لصالح الحزب الحاكم أو بالتعيين، كلها أو جزء منها. هي ديمقراطية الحزب الواحد بالرغم من التعددية السياسية الصورية.
لا ترى حرجا من تغيير مواد الدستور من أجل مد حكم الرئيس مدى الحياة، أو من أجل التوريث، أو من أجل سن قوانين ضد الديمقراطية، مثل الأحكام العرفية، وقوانين الطوارئ، وقوانين مكافحة الإرهاب، وتحريم انشغال الجمعيات الأهلية والجامعات بالسياسة، وملء السجون بالمعتقلين السياسيين، والتشريع لمعارضة مستأنسة دون السماح لأحزاب معارضة شعبية لها رصيدها في الشارع السياسي.
والثالثة:
بعض أحزاب المعارضة السياسية ذاتها التي تستعمل ورقة الديمقراطية كأداة ضغط على النظام ووسيلة لزعزعته؛ فهي من ضمن أدوات الصراع السياسي في الداخل. وبعض الأحزاب الليبرالية تستعمل الورقة لكسب رضا القوى الخارجية عليها كما يفعل الليبراليون الجدد الآن، بما في ذلك التطبيع الفوري مع إسرائيل. وفي نفس الوقت أيضا لتكسب رضا الشعوب التي تتوق إلى الحرية والديمقراطية. ولا ترتبط الديمقراطية بمشروع متكامل يضع مع الحرية العدالة الاجتماعية، ومع الديمقراطية التخطيط الشامل. أما الجمعيات الأهلية فإنها ما زالت محدودة الأثر، محاصرة، تخاطب النخبة. ويتصدر نشاطها موضوع حقوق الإنسان.
هنا تكمن أزمة الديمقراطية. لا تجد قوة سياسية تدافع عنها في الخارج أو الداخل، شكلا ومضمونا، دفاعا عن مصالح الشعوب.
لا أحد يؤمن بها، الكل يستغلها لصالحه الخاص، والخاسر هو الشعب. إنما يكون الإخلاص للديمقراطية بنزع جذور التسلط من الثقافة الوطنية الحامل لتراث طويل من ثقافة السلطان، التي تحولت إلى بنية اجتماعية تقوم على التسلط. خلقت مجتمع «سي السيد»؛ في الأسرة، الأب أو الأخ الأكبر. وفي المجتمع، الشرطي ورئيس المؤسسة أو الهيئة المتكرر في المديرين العموميين ورؤساء الهيئات والوزراء. وفي المؤسسات الإعلامية والتعليمية، رئيس التحرير وناظر المدرسة. وفي الدولة في شخص الرئيس وحرمه وابنه الأكبر أو الأصغر أو الوحيد.
تكمن أزمة الديمقراطية في سيادة الثقافة المضادة واستمرارها، بل وترسيخها بعد انهيار التجارب التحديثية المعاصرة، الليبرالية والاشتراكية والقومية، بل والإسلامية والماركسية؛ لأن الثقافة الوطنية الحامل للنهضة القومية ما زالت تقوم على عناصر مناهضة للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وللمادية التاريخية. ما زالت الثقافة الوطنية تقوم على عناصر مناهضة للديمقراطية والتعددية السياسية والانتخابات الحرة، مثل حديث الفرقة الناجية الذي يشكك في صحته ابن حزم والعز بن عبد السلام، وهو ما وضعه الغزالي في «الاقتصاد في الاعتقاد» تحت عنوان «في ما يجب تكفيره من الفرق»، والخطورة في التوحيد بين الفرقة الناجية والفرقة الحاكمة؛ أي الحكومة التي تكفر المعارضة أو تخونها وتحكم بمفردها. هي أزمة التصور الرأسي للعالم الذي يجعل العلاقة بين طرفين، الحاكم والمحكوم مثلا، علاقة بين الأعلى والأدنى، وليست علاقة أفقية، المواطن والمواطن، علاقة بين الأمام والخلف من أجل تحويل مفهوم الرئاسة إلى مفهوم التقدم، ومفهوم التبعية إلى مفهوم المساواة. هي أزمة الأقوال المأثورة عن القدماء، مثل: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.» والتي تعطي الأولوية للحاكم على المحكوم، والسلطة السياسية على الحق السياسي. هي أزمة الفقه السياسي الذي يعطي السلطة المطلقة للحاكم، مثل أن طاعة الحاكم، أولي الأمر، من طاعة الله والرسول، وأن معارضة الحاكم فتنة، وأن الخروج عليه عصيان، وتهميش تراث فقهي آخر يقوم على النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاضاة الحاكم أمام قاضي القضاة، بل وشرعية الخروج على الحاكم الظالم؛ فأعظم شهادة «كلمة حق في وجه إمام جائر». هي أزمة الأمثال العامية التي ترسبت في الوجدان الشعبي، مثل: «إن كان ليك عند الكلب حاجة قول له يا سيد»، «الباب اللي يجيلك منه الريح، سده واستريح»، «ابعد عن الشر وغني له».
الحل إذن هو إعادة بناء الثقافة الوطنية من الأساس، وإعادة تأسيسها ليس على ثقافة السلطة، بل على ثقافة المعارضة مثل شرعية الاختلاف، وأن الكل راد ومردود عليه، وأدب الحوار ضد امتلاك الحقيقة والاستئثار بالرأي، «لا خاب من استشار». وفي فقه الاختلاف لو خالف واحد إجماع الأمة يكون الإجماع ناقصا احتراما للرأي الآخر. كان الرسول
صلى الله عليه وسلم
يستشير أصحابه، وكان الصحابة يختلفون فيما بينهم دون تكفير أو تخوين. الحل هو تثوير الثقافة الوطنية، وجعلها الحامل الرئيسي للنضال السياسي والنهضة القومية. الحل هو تحريك الأغلبية الصامتة، وحشد الناس دفاعا عن مصالحهم العامة حتى تخرج الديمقراطية من معركة النخبة إلى نضال جماهيري واسع، فتعود الأمة إلى مسارها التاريخي دون توقف، وتستلهم تراثها، المصدر الرئيسي لثقافتها الوطنية، حتى تمارس الأجيال الجديدة ما حفظته في مراحلها التعليمية الأولى، مثل: «لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟»
अज्ञात पृष्ठ