إن هذا التاجر كان يعتقد أنه كان ينوي التنزه على جسر قصر النيل، ولكنه كان جاهلا لا يعرف ما أراده من هذه النزهة.
إنه كان يريد الانتحار بإلقاء نفسه في مياه النيل، وكانت نزهته استطلاعا للموت (عمل مقايسة)؛ ولذلك «فزع» وطلع عليه «نهار جديد» عندما حياه هذا المسكين الذي كان يسير بيديه بدلا من ساقيه، كأنه قد نبهه إلى ضلاله.
لا، ليست مسرات الدنيا هي التي تجعلنا سعداء، وإنما هي الفكرة التي نعيش بها، والأهداف التي نهدف إليها، والفلسفة التي نعتمد عليها، وفي كل هذا كان هذا «المسكين» الذي يسير بلا ساقين أنضج عقلا وأصح فلسفة وأعرف بالحياة من هذا التاجر. •••
إن جميع المنتحرين - ولو بلغوا الخمسين أو الستين من العمر - أطفال قد تجمدت أخلاقهم على أسلوب الطفولة، وهناك علامات واضحة للطفولة في سلوكهم حين تراهم يأكلون، أو يشتمون أو يرفسون وقت الغضب، أو يسرقون حتى أصدقاءهم، كما أنهم يجبنون عن مواجهة الصعوبات، ويعتمدون على غيرهم الذي يأخذ - في مقاييسهم - مقام الأبوين، وهم - في الأغلب - قد دللوا تدليلا سيئا أيام طفولتهم.
اعتبر «مي» الأديبة التي صامت نحو عشرة أيام في منزلها حتى ماتت.
لقد كانت وحيدة أبويها اللذين دللاها، وكانا يلبيان كل ما كانت تطلبه، فقد كانت في الأيام العشرة الأخيرة من عمرها تتبول وتتبرز على أرض الغرفة وعلى سريرها وعلى سائر الأثاث، والتبول والتبرز هما نداء للأم، هما صيحة الاشتهاء للعودة إلى الطفولة، وكثير من الأطفال الذين يجدون إهمالا وتركا من أمهاتهم يتبولون في الفراش حتى تأتي الأم وتنظفهم وتعنى بهم، ولا يبالي الأطفال المتبولون أن يضربوا في سبيل ذلك؛ لأن الالتصاق بالأم - حتى مع الضرب - لذة حميمة عندهم.
ونشطت الكامنة - العقل الكامن - في «مي» في أيامها الأخيرة، فطلبت أمها بأسلوب الأطفال، وكان هذا بعض جنونها. •••
كيف نتقي هذا الانتحار النفسي الذي يؤدي في النهاية إلى انتحار جسمي، وكيف نعالجه عندما يقع أحد فيه؟
نتقيه بأن نربي الناس على أن يشبوا عن الطوق وأن يتركوا الطفولة ويصيروا رجالا ونساء ناضجين؛ أي: يجب أن يعرفوا أن في الدنيا صعوبات وعقبات، وأن الرجل الناضج يجب ألا يقابلها بالبكاء والرثاء كما يفعل الأطفال؛ إذ عليه أن يتلقاها بالتحدي والكفاح، والرجل الناضج يحس أنه ما دام حيا فإنه يجب عليه أن ينهض ويسعى ويبني، وليس عليه أن يقعد ويستسلم.
عليه أن يستطلع ويدرس ويعمل، ويستمتع بجمال الطبيعة والفن، ويخطط مشروع حياته.
अज्ञात पृष्ठ