فكان الجسد العربي يزداد التصاقا به وفناء.
الخطة الجهنمية هي أن يجعل الجسم نفسه يتمرد على القلب، الجسم الذي كبر واغتنى وامتلأ بالمثقفين والدارسين، كيف يمكن أن تكون ثقافته هي ثقافة القاهرة.
وإذا هبط القلب، ذلك القلب المتجانس الكبير، فالإجهاز على الأطراف يصبح مسألة مفروغا منها.
خناقة النشالين
إنني أعتقد أن الاحتكارات الأجنبية كانت تغذي الصراع العربي-الإسرائيلي باستمرار حتى لا يكف لحظة، وحتى يتيح لها نشل ذلك الكنز الأعظم، بينما الرأي العام العربي كله مشغول بقضية إسرائيل. إنه نفس تكتيك النشالين حين يفتعلون خناقة مع راكب الأتوبيس ليسرقوا حافظة نقوده.
ولو استطعنا نحن كعرب، ليس فقط أن نحارب إسرائيل، وإنما أيضا نفشل مؤامرات التفريق بيننا ونتعلم، وبما نملكه من علم وثورة وثروة ستنتهي القضية العربية- الإسرائيلية؛ فهي كاللص الذي يعيث في البيت فسادا لأن الخناقة بين أفراده قائمة على قدم وساق. وحين نكف عن الزعيق والسباب ومحاولات قلب بعضنا البعض، ونتجه فقط بوجوهنا إلى ذلك اللص، فإنه لن يستطيع البقاء بيننا لحظة، إما أن يقفز من النافذة في الحال أو يموت رعبا.
ولكن كيف تنتهي الخلافات؟
إن النوايا الحسنة لا تنهيها، ولا مجرد الإحساس بقوميتنا وعروبتنا ينهيها؛ فهناك مولد نشيط لها لا يتوقف. إننا نظن أن بعض الخلافات بين الحكام العرب تأتي اعتباطا، ولكن هذا التصور ساذج للغاية، فلا شيء في هذا الشرق العربي كله يحدث اعتباطا أبدا؛ كلها خطط مدروسة وموضوع لها البدائل، ولكن المسألة الآن مركزة في مصر.
إنهم يريدون القضاء على مصر الملهمة والحضارة والقائدة. إن الرأي العام العربي تقوده عواصم أخرى بعد أن أسكتنا نحن خلال زمن طويل مفكرينا، وجعلنا من صحفنا مونولوجات محفوظة لا تثير عند القارئ المصري أو العربي أي ضرورة أو إحساس بالتفكير.
حتى السياسة المصرية لا نشرحها لأنفسنا ولا للعالم، وكأننا نعتبر أنها يكفي أن تكون سياستنا ليتبناها الناس دون نقاش.
अज्ञात पृष्ठ