والمؤامرة قديمة وقد أصبحت معروفة. منذ أيام الاحتلال البريطاني وفكرة البحث عن البترول في مصر أو اكتشافه فكرة مرفوضة تماما؛ فالإنجليز لم يحتلوا مصر عبثا، ولم يستخلصوها من قبضة نابليون ومن أنياب الإمبراطورية العثمانية عبثا أيضا، بل ولا حتى لموقعها الجغرافي أو قنال السويس أو هذا كله.
الإنجليز واحتكارات البترول أدركت من زمن بعيد أن المنطقة العربية - أو ما اصطلحوا تضليلا على تسميته بالشرق الأوسط - يرقد تحت أرضه أعظم كنز عرفته البشرية في كل تاريخها ما مضى وما سيأتي، واكتشفوا أيضا أنه بينما يرقد تحت الأرض هذا الكنز الخرافي الذي يساوي في قيمته كل صناعة أوروبا وزراعتها ومناجمها، تحيا فوق هذه الأرض شعوب كانت متخلفة تعيش في القرن السادس عشر.
وبعد الحرب كانت أوروبا هي الهدف الثانوي لأمريكا القوية المنتصرة الغنية، أما هدفها الأساسي فقد كان هو انتزاع هذا الكنز المهول من أنياب الاستعمار القديم. بريطانيا كانت وسيلتها للاحتلال الجيوش ، والقوة عندها في الأساطيل والسيطرة على المضايق والتجارة. اكتشف الأمريكان أن العصر الجديد القادم هو عصر البترول، وعلى هذا يجب اقتلاع النفوذ البريطاني والفرنسي من المنطقة، وبالتأميم مرة ثم بالتدويل مرة، ثم باحتكار التوزيع، ثم بالانقلابات والاضطرابات، نجحت أمريكا أخيرا في إعادة الفرنسيين إلى فرنسا والإنجليز إلى جزيرتهم، وتقريبا «ملكت» أمريكا أهم مصادر البترول في كل العالم العربي.
ولكن هذا وحده لم يكن يكفي.
فإذا كان المنافسون الأوروبيون قد ذهبوا، فالمنطقة قد تطورت بسرعة وتهدد بتطور أسرع، وكان نجاح ثورة 23 يوليو واكتساب حق تأميم الممتلكات الأجنبية لحساب شعوب المنطقة؛ كان هذا تهديدا أخطر بكثير من تهديد المنافسين السابقين.
وكان على أمريكا أن تؤكد وجودها وتؤمنه تأمينا مباشرا بإقامة دولة ترسانة تقوم بدور رجل البوليس المهاب.
وتأمينا غير مباشر بضرب مصدر الخطر الأكبر: مصر.
وأمريكا تعرف تماما أن مصر ليست ثلث العالم العربي، ولكنها الثلث الذي يملك من الإمكانيات المادية والبشرية والثقافية والحضارية ما يمكن أن يقود العرب ليس فقط لتأميم بترولهم ولكن حتى ليحتكروا هم إنتاجه ويحتكروا نقله وتوزيعه؛ ويعود إلى الشرق العربي ذلك المركز الخطير الذي كان يشغله في عالم الأمس؛ دولة حضارية كبرى تتحكم حتى في الحضارة الأوروبية بشقيها، بل وفي أمريكا نفسها.
ثم بدأ الضرب الساخن
وحين يكتب تاريخ ثورة 23 يوليو الحقيقي، والمحاولات المذهلة التي بذلت ضدها، سيدركون إلى أي مدى لعبت هذه الثورة دورا أصيلا وبطوليا.
अज्ञात पृष्ठ