وورد في بعض الأخبار أن المقوقس أراد أن يمتحن دعوى النبوة بالهدية، فأرسل هدية معها صدقة؛ لأن الأنبياء تقبل الهدايا ولا تقبل الصدقات، وجعل الهدية جاريتين أختين ليرى هل يجمع بينهما أو يتورع عن الجمع بين الأختين، فكان أن أهدى النبي إحدى الجاريتين وبنى بالأخرى، وأنه وزع الصدقة على الفقراء.
ومثل هذه الأخبار يوجبها فهم التاريخ كما حدث أو كما ينبغي أن يحدث، ولا ترفضها إلا الحذلقة التي تداخل المؤرخ العصري، فيحسب أن المقوقس يعيش في هذا القرن العشرين، ويتلقى دعوة النبوة كما يتلقاها أبناؤه، فلا ينظر في امتحانها بما كانت تمتحن به النبوات في القرون الأولى للميلاد، وإنما الخليق بالتحقيق التاريخي أن يوقن المؤرخ من حصول شيء كالذي نقله رواة السير والأخبار عن تصرف حاطب بن أبي بلتعة، وتصرف المقوقس في جوابه وهديته، فما كان المقوقس ليتلقى رسالة النبي أو ليجيب عنها إلا على ذلك النحو، مما يحاول المؤرخ أن يتخيل غيره فلا يستطيع!
أما المسلمون فقد جاءوا مصر ومنهم من سمع أحاديث النبي - عليه السلام - في التوصية بها، ومنها: «وإنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما، أو قال: ذمة وصهرا.»
ومن الأحاديث النبوية عن مصر أنه - عليه السلام - قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض.» قال أبو بكر - رضي الله عنه: ولم ذلك يا رسول الله؟ فقال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة.» وقال: «ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مئونته.»
ومن لم يكن من الجند الفاتح قد سمع الأحاديث النبوية، كان قد سمع آيات من القرآن الكريم، وفيها من لعنة فرعون:
إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا [القصص: 3]، وفيها من لعنته:
إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض [القصص: 19] وفيها:
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون [القصص: 5-6].
وعلى ألسنتهم جميعا حكاية عن قوم يوسف:
ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين [يوسف: 99]، وقوله تعالى:
अज्ञात पृष्ठ