والظاهر من بعض أنباء «سهم» أنهم كانوا على كثرة في العدد، وإن لم يحسبوا من ذوي الصدارة في قريش، إلى جانب بني هاشم أو بني أمية أو بني عبد الدار.
فلما انقسمت قريش إلى حزبين، في أحدهما بنو عبد مناف، وفي الآخر بنو عبد الدار، عبئ بنو سهم لبني عبد مناف، وهم أكبر هؤلاء الأحلاف، كأنهم ند لهم كثرة وقوة في الصلح والخلاف.
وتفاخر بنو سهم وبنو عبد مناف مرة، فقال كل حي منهما: «نحن أكثر سيدا، وأعظم رجالا، وأكثر قائدا ...» فكثر بنو عبد مناف بني سهم بعدد الأحياء، ثم تكاثروا بالأموات، فجعلوا يشيرون إلى القبر فيقولون: أفيكم مثل هذا؟ أفيكم مثل هذا؟ ويذكر كل منهم أنه أكثر مالا وأعز نفرا، كما جاء في القرآن الكريم، ونزلت في ذلك الآية:
ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر
على إحدى الروايات.
فعمرو بن العاص ينتمي - على هذا - إلى بطن يعد من أكبر بطون قريش، ويطمح إلى مساواة بني عبد مناف بوفرة الرجال والأموال وكثرة السادة والقادة، ويوصل شرفه في الجاهلية بشرفه في الإسلام.
أما حصتهم من شرف الجاهلية؛ فقد كانت إليهم الحكومة، والأموال المحجرة التي سموها لآلهتهم، وهي أموال حبسوها على الأرباب والمعابد وخيراتها، كأنها الأوقاف في العصور الإسلامية، وكان الرؤساء من بني سهم طائفة من نظار الأوقاف يعرفون بحسناتهم أو سيئاتهم التي اتصف بها نظار الأوقاف في جميع الأزمان.
ولا نعلم على التحقيق ما هي تلك الحكومة التي وكلت إلى بني سهم في الجاهلية، كما وكلت الشورى والرفادة والسقاية وغيرها من مهام الحجاز إلى البطون القرشية الأخرى.
ولكننا نستطيع أن نقيسها إلى بعض ما ندب له ابن العاص في الإسلام، على حكم العادة الموروثة التي قلما تتغير في مأثورات القبائل المحفوظة، ويؤخذ من هذه المهام أن المرجع في حكومة بني سهم إلى اللباقة في تناول الأمور، والتلطف في حسم الشقاق، والتغلب على حرج النفوس في الشئون الدقيقة التي تتصل بالمصاهرة ومعاذير الراغبين فيها أو الراغبين عنها من الرجال والنساء، كما تتصل بالإقناع فيما يمس المروءة والعقيدة، أو يرد الإقناع فيه على النفس من طريق التهوين والتسويغ على سنن الدهاة من الساسة بين سائر الأمم وفي سائر العصور.
وجماع ذلك كله أن الحكم على هذه الطريقة هو الرجل «الأريب» الذي يعرف «من أين تؤكل الكتف» ويترفق بعلاج النفوس وتناول الأمور.
अज्ञात पृष्ठ