وقع بينه وبين المغيرة بن شعبة كلام فسبه المغيرة، فقال: يا آل هصيص! أيسبني ابن شعبة؟ وكان ابنه عبد الله حاضرا، وهو من أتقى المسلمين وقد أسلم قبل أبيه، فقال: إنا لله! دعوت بدعوى القبائل وقد نهي عنها! فأعتق عمرو ثلاثين رقبة.
وسمع معاوية مرة يأذن للأنصار، فأحب أن يأذن للناس بأسماء قبائلهم ويردهم إلى أنسابهم.
وكان من إعزازه لأبيه وحضور العصبية في ذهنه أنه فكر في الانتقام من عمارة بن الوليد المخزومي لاجترائه على تقبيل زوجته أمامه، فلم يقدم على الانتقام منه - وهما في طريق الحبشة - حتى بعث إلى أبيه أن يخلعه لكيلا تحيق به أو بأحد من أهله ترات العصبية التي تدين بها القبائل فيما بينها.
وعصبيته هذه هي التي أنسته أن الإسلام ينهى عن كراهة الذرية من البنات، فأنف أنفة الجاهلية حين رأى معاوية يقبل ابنته عائشة، قال: من هذه؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب! فقال له: «انبذها عنك، فوالله إنهن ليلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن!»
ولا شك أن الألم من ذلك المغمز في نسبته إلى أمه كان من أشد الحوافز النفسية تغلغلا في سريرته، وأصلحها لتفسير ميوله وبدواته ومنها الحسن والمفيد.
فقد كان خوفه من التعيير به عقل لسانه عن فحش القول، ويلزمه سمت الجد والتوقر في مخاطبة الناس.
ولم يبالغ حين اعتذر لمسلمة بن مخلد، وقد ناله بلسانه في ساعة حدة، فقال له يسترضيه: «ما أفحشت قط إلا ثلاث مرات، مرتين في الجاهلية وهذه الثالثة، وما منهن مرة إلا ندمت وما استحييت من واحدة منهن أشد ما استحييت مما قلت، ووالله إني لأرجو ألا أعود إلى الرابعة.»
كذلك كان يتحرج من إسقاط هيبته ونسيانه سمته، حتى قال عمر بن الخطاب وقد نظر إليه وهو يمشي: «ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا!»
فهي بلوى في طيها نعمة كما قال أبو تمام:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
अज्ञात पृष्ठ