وفتح أحد الأبواب، وأدخلت في مكان الاجتماع منضدة ومقعد، وكان المنادي شابا خفيف الروح من طراز «أ»، وكان قد دخل وهو يحمل صندوق نقد من الحديد الأسود، وصدرت من التوائم المنتظرة تمتمة تنم عن الرضا، ونسوا كل ما يتعلق بالهمجي، وركزوا الآن اهتمامهم في الصندوق الأسود، الذي وضعه الشاب فوق النضد، وشرع الآن يفضه، ورفع الغطاء.
وصدرت من المائة واثنين وستين فردا جميعا في صوت واحد صيحة تدل على الدهشة، كأنهم يشاهدون الصواريخ النارية.
وأخرج الشاب ملء قبضة يده من صناديق الحبوب الصغيرة، ثم قال بنغمة حاسمة: «الآن أرجوكم أن تتقدموا، واحدا في إثر الآخر ولا يدفع بعضكم بعضا.»
فتقدم التوائم متتابعين غير متدافعين، وجاء ذكران أولا، ثم أنثى، ثم ذكر آخر، ثم ثلاث إناث، ثم ...
ولبث الهمجي يشاهد ما يجري «يا له من عالم طريف، يا له من عالم طريف! ...» وكأن هذه الكلمات الرنانة قد تغيرت نغمتها في ذهنه، لقد كانوا يسخرون منه وهو في شقوته وندمه، ويزدرونه بنغمة شنيعة تدل على الاستهزاء والسخرية! وقد ضحكوا ضحكات شيطانية، وأصروا على القذارة الوضيعة، وذلك الكابوس القبيح المقزز، والآن ينفخون في الأبواق بغتة للقتال، «يا له من عالم طريف!» كانت ميراندا تنادي بإمكان الجمال، وبإمكان تحويل الكابوس نفسه إلى شيء بديع نبيل، «يا له من عالم طريف!» تلك عبارة تحد، وذلك أمر.
وصاح وكيل نائب الخازن محنقا، قال: «لا يدفع بعضكم بعضا.» وأنزل غطاء الصندوق محدثا صوتا، وقال: «سأكف عن التوزيع ما لم تحسنوا السلوك.»
وزمجر الأفراد من طراز «ء» وتدافعوا قليلا ثم سكنوا، وكان الوعيد مجديا، فقد راعهم أن يحرموا من السوما.
فأعاد الشاب فتح الصندوق وقال: «هذا حسن.»
لقد كانت لندا مستعبدة، ثم ماتت، وسوف يعيش الآخرون أحرارا، وسوف تتزين الدنيا، هذا إصلاح بل واجب، وأشرقت الحقيقة على الهمجي فجأة، وتبين له ما ينبغي له أن يفعل، وكأن نافذة قد فتحت، أو ستارا أزيح.
وقال وكيل الخازن: «والآن ...»
अज्ञात पृष्ठ