अलेक्ज़ेंडर महान की दुनिया
عالم الإسكندر الأكبر
शैलियों
لا يقتصر الجدل على البيانات الواقعية بشأن الموضوع الرئيس، والحقيقة أنه يمكن تجميع تسلسل زمني لا اختلاف عليه عموما للتواريخ والأحداث الأساسية في حياة الإسكندر القصيرة؛ غير أن إنجازاته كانت من العظمة بحيث تجعلنا نريد التعرف على دوافعه وأهدافه ومشاعره، بمعنى أننا باختصار نريد التعرف على الكينونة الداخلية والشخصية اللتين وجهتا حياة الملايين في اتجاهات جديدة بعد إنهاء حياة ملايين غيرهم. وفي هذه الناحية تحديدا تخذلنا المصادر. وصف أحد كبار الباحثين المحدثين الإسكندر بأنه حالم يرجو إقامة أخوية بين البشرية، ووصفه بلوتارخس - الذي عاش في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني بعد الميلاد - بأنه أعظم الفلاسفة. وسيقت حجج قوية دعما لتوصيف مناقض لهذا تماما؛ إذ يرى البعض أن الإسكندر برع في سفك دماء الملايين من البشر، أما صورته الذائعة الصيت كقائد فذ فتلطخها صورة أخرى له كسكير. ويعتقد أنه كان يرى نفسه بطلا هوميريا، أو ربما ابن الإله زيوس، أو من الجائز أنه كان مدفوعا بمكائد أمه أو بنرجسيته. ويرى بعضهم أن الصداقة كانت السبيل إلى نجاحه، بينما يعتقد آخرون أنه كان ببساطة يستغل الناس ويتخلى عنهم تبعا لنزواته المشوبة بالغضب، وذهب بعضهم إلى أن الإسكندر أدرك حكمة اعتناق عادات الفرس ما إن ألحق هزيمة بقواتهم، بينما تقول الحجج المعارضة إنه كان يرى نفسه بحق كملك شرقي. انطلق الإسكندر: (1) لمواصلة خطط أبيه. (2) أو للانتقام للإغريق من الفرس. (3) أو لأنه كان مدفوعا بحماس المستكشفين. هذا مجرد عدد ضئيل من التقييمات، لكنها تبرهن على صحة اعتراف برادفورد ويلز (الذي جاء في مراجعته كتاب «الإسكندر الأكبر: الحصافة والقوة» لمؤلفه فريتس شاخرماير، المنشورة في «أمريكان جورنال أوف أركيولوجي» 55 (1951) 433-436): «من الأمانة أن نعترف بأننا في النهاية نقدم الإسكندر بالصورة التي نريدها أو نراها معقولة.»
يبدو لي أنه يوجد متسع لنهج آخر في تناول هذا الشاب الإشكالي، الذي وصفه ويل كابي في كتابه «اضمحلال وسقوط الجميع تقريبا» وصفا موجزا وبدقة بالغة فقال: «لا أستطيع في الحقيقة أن أقول بالضبط ماذا كان هذا الشاب المزعج يظن نفسه فاعلا، ولماذا. ولست على يقين من أنه كان يستطيع تفسير هذه النقطة تفسيرا معقولا. كان من عادته تقطيب حاجبيه، ولا غرو» (الصفحة 48).
وأعترف - شأني شأن كابي، لكن على النقيض ممن وجدوا مفتاحا سريا إلى كينونته الداخلية - بأنني لا أستطيع قول ماذا كان الإسكندر يظن نفسه فاعلا. لكن توجد سبل لفهم الشخص الذي صار إليه الإسكندر، والأسلوب الذي تعامل به مع ظروفه؛ إذ توجد معلومات لا بأس بها معروفة عن عالمه؛ فالقرن الرابع قبل الميلاد موثق جيدا في الروايات التاريخية المكتوبة وفيما وصلنا من شواهد آثارية؛ وهذا مرجعه نوعا ما إلى أن الأحداث المضطربة التي شهدتها فترة حياة الإسكندر أثارت التعليقات، ونوعا ما إلى أن الحضارتين الإغريقية والفارسية قد صارتا آنئذ على مستوى عال من معرفة القراءة والكتابة بالمقارنة بالفترات السابقة. ومع أن هذا النوع من الشواهد موجود، فإنه محدود. من حسن الحظ، توجد أبواب أخرى تقود إلى الماضي؛ ذلك أن الناس يولدون في بيئات اجتماعية ومادية معينة، وينشئون كأطفال في مجتمعهم ويتعلمون قيمه وتقاليده، ومع بلوغهم النضج يمضون لمواكبة عالمهم وتعلم الاستراتيجيات التي يغلب نجاحها في ضوء أعراف تلك الجماعة وبيئتها الاجتماعية والمادية. لا شك أن البشر لديهم موروث بيولوجي جيني يحدد قدرا معينا من سماتهم الفردية البدنية والعقلية، أو يفسر افتقارهم إليها؛ ومن ثم توجد فرصة للقصدية الفردية، لكن حتى تلك القصدية تتأثر - دون أن تتحدد بالضرورة - بفعل قوى خارجة عن الفرد. وتقدم الشواهد المادية التي وصلت إلينا معلومات عن هذه البيئات؛ وفي حالة مقدونيا، يشهد السجل الآثاري والمعرفة بالطبيعة المادية للمملكة أثناء فترة حياة الإسكندر تناميا مستمرا، وأكثر ما كان ذلك في فترة الثلاثين سنة الماضية أو نحوها.
إيمانا بصحة هذه الرؤية بشأن التفاعل بين الفرد وعالمه، فإن استقصاء دور القوى التكوينية الفاعلة في القرون التي تطورت فيها مقدونيا إلى المملكة التي عرفها الإسكندر وحكمها؛ سيقربنا إلى الإسكندر ذاته. ربما لن نتمكن أبدا من الولوج إلى دواخل عقله، لكننا سنفهم العوامل التي أدت إلى سيرته المتألقة. وسيتناول هذا الكتاب، بعد تقديم نبذة مختصرة عن التسلسل الزمني الأساسي لحياته، ست قوى رئيسة شكلت تلك الحياة.
سنبدأ بمقدونيا التي ولد الإسكندر فيها وترعرع؛ حيث حددت الأوضاع المادية للمنطقة طبيعة الحياة الممكنة داخلها. كان ذلك البلد، وفقا لرؤية القدماء بشأن الفروق بين المناطق، بلدا «صعبا» لا «سهلا»، وهكذا فالأرجح أن يكون سكانه أقوياء لا ضعفاء. وعندما نأخذ الموارد الطبيعية بعين الاعتبار، يتسنى لنا توسيع فهم دور مقدونيا إزاء الآخرين. فهل كانت هناك موارد طبيعية اجتذبت الآخرين إلى المنطقة؟ ولو كان الأمر كذلك، فما العلاقات التي تطورت بين المقدونيين وغيرهم؟ وهل أتاحت تلك الموارد ميزة داخلية للأطراف الفاعلة المستقبلية في منطقتي بحر إيجة وشرق البحر المتوسط الأوسع، سواء في دور شركاء تجاريين أم كفاتحين؟
سكان مقدونيا هم الجانب الثاني من جوانب دلالة مقدونيا في حياة الإسكندر. فمن المقدونيون القدماء؟ ومن أي صنف كان الجيران الذين وجدهم المقدونيون على حدودهم؟ وكيف ارتبط مختلف تلك الجماعات البشرية بعضها ببعض؟ بمعنى هل تمخض الجوار عن استعارات ثقافية، أم عداوة متواصلة، أم انصهار جماعات كانت ذات يوم مستقلة؟ معروف أن أبا الإسكندر أنشأ مملكة موحدة امتدت من البحر الأدرياتي مرورا بشمال بحر إيجة وحتى الأراضي الواقعة على ساحل البحر الأسود الشمالي وعلى نهر الدانوب. والطريقة التي ضمت بها هذه الأراضي إلى المملكة عامل آخر له دور في العالم الذي ولد فيه الإسكندر ونشأ حتى صار رجلا. وتكشف عملية التوحيد التي اتبعها فيليب عن «الأدوات» التي يحتاج إليها الموحد المستقبلي الذي صار إليه الإسكندر لدى «وراثته» الملك، وتكشف التوترات التي تمخضت عنها. إذن فطبيعة الحياة في مقدونيا منتصف القرن الرابع تقرر معلمين أساسيين في قصة أي فرد عاش في مملكة مقدون (مقدونيا القديمة) في ذلك الوقت، وتحديدا البيئة المادية والبشر الذين شكلوا حياة تناسب موقعهم.
سنلتفت بعد ذلك إلى نسبه، الذي سيعيد تركيز الاهتمام من مقدونيا ككل إلى مقدونيين أفراد؛ ففيليب الثاني - أبو الإسكندر - كان متألقا في إنجازاته؛ فما الميراث (البدني والمزاجي وعلى وجه الخصوص الإنجازات) الذي تركه لابنه؟ وماذا عن أمه أوليمبياس ونسبها وشخصيتها؟ وهل يبرز دورها كابنة الأسرة المالكة في مملكة إبيروس وفيما بعد كزوجة للملك المقدوني بقوة في تكوين الإسكندر؟ بالإضافة إلى أبويه، سيكون من المفيد أن نلقي نظرة أوسع على نسبه؛ لأن الإسكندر كان أحد أبناء السلالة المالكة، بمعنى أنه كان أرغيا. فما الذي كان متوقعا من ابن ملك حاكم؟ وكيف درب كوريث محتمل للملك؟ وهل نشأت مشكلات عن انتمائه إلى السلالة الأرغية؟ ولو كان الأمر كذلك، فما مدى خطورة تلك المشكلات؟
ترتبط قصة مقدون القديمة ارتباطا لا ينفصم بقصة اليونان، وكان ذلك في البداية من خلال القرب الجغرافي الذي أدى إلى استعارات ثقافية من أنواع كثيرة. وطبيعة تلك الرابطة هي العنصر الثالث الأساسي في عالم الإسكندر. يكتمل وصف التفاعل من فترة الحروب الفارسية في أوائل القرن الخامس، أثناء حكم فيليب الذي ضم الدول الإغريقية تحت الهيمنة المقدونية عسكريا وسياسيا على السواء؛ فهل يمكن تفسير هذا النجاح انطلاقا من عوامل تضاف إلى القوة العسكرية المقدونية؟ لا ننس أن الإغريق والمقدونيين استشعروا من قبل آثار المحاولات الفارسية للتوسع في غرب بحر إيجة في أواخر القرن السادس وأوائل القرن الخامس، وربما كان الإحساس بوجود عدو مشترك رابطة أخرى محورية؛ مما جعل من «انتقام» الإغريق من الفرس مجهودا مشتركا لذلك الاتحاد الرسمي. وكان للتفاعل بين اليونان ومقدون دلالته أيضا من الناحية الثقافية، وكان مصدر أحد جوانب هذا التأثير الثقافي على الإسكندر معلمه الفيلسوف أرسطو المولود في مدينة أسطاغيرا الإغريقية في شمال بحر إيجة؛ فهل سيعطينا فهم احتكاك الإسكندر بهذا الفيلسوف الموسوعي الإغريقي لمحة عن طبيعة الإسكندر نفسه؟
تلعب ضرورة وجود القوة العسكرية دورا بارزا في العلاقات مع الآخرين، لكنها تستحق أيضا استقصاء مستقلا في الفصل الخامس، وخصوصا لأن سلامة تراب المملكة كانت تقتضي قوة عسكرية فعالة دائمة التأهب. فما ركائز المملكة فيما يخص هيكل مقدونيا الاجتماعي وتنظيم جيشها ومتطلبات نجاحها العسكري؟ وكيف لعب الملك المقدوني دورا في هيكل مملكته العسكري؟
رأت مقدون واليونان رأي العين قوة الإمبراطورية الفارسية التي كان ملكها أحشويرش من القوة بمكان - كما روى هيرودوت - حتى إن شخصا عاديا عجب لأمره بقوله: «لماذا اتخذت يا زيوس هيئة رجل فارسي واسم أحشويرش بدلا من زيوس لكي تدمر اليونان، ومن خلفك كل هؤلاء الرجال؟ كان بإمكانك فعل هذا دون كل هذه الجهود» (الكتاب السابع، 56). فلماذا يتوقع ملك مقدوني بأي حال أن يهزم مثل هذا الحاكم القوي الذي يتربع على عرش أكبر إمبراطورية قامت في تاريخ الشرق الأدنى القديم حتى ذلك الزمان؟ يجب أن تشمل الإجابة عن هذا السؤال معرفة بالهيكل الإقليمي والإداري لتلك الإمبراطورية، وحالة ذلك الهيكل في منتصف القرن الرابع؛ فإلى أي مدى كان الملوك المقدونيون يعرفون طبيعة بلاد فارس معرفة جيدة؟ وهل وجدت بين المملكتين أوجه تماثل معينة من شأنها تيسير فهم إحداهما الأخرى؟ وبما أن الإسكندر نجح في إلحاق هزيمة بالفرس، صارت قوة التقاليد الفارسية وتأثيرها على الإسكندر عاملا آخر في عالمه.
अज्ञात पृष्ठ