ما أرى إلا أننا سنلهو بهذا الرأي لهوا متصلا، حين نخلو إلى صديقنا وإلى «دينوزوس» إذا جن الليل.
قال «كلكراتيس»: لا تسخر ولا تمزح! فما فكرت في رهبانية ولا نسك. وقد قلت لك إن لي في الحياة أربا، وما أريد أن أتخذ لي في طرف من أطراف الصحراء صومعة ولا ديرا. وماذا أصنع في الصومعة والدير، وأنا لم أرض حاجتي بعد من لذات الحياة ونعيمها! لا أريد أن أعتزل الناس، وإنما أريد أن أعتزل السلطان.
لن نلهو الليلة بهذا الرأي كما تظن، ولكننا سنتدبره ونطيل الحديث فيه. فما زلت أعتمد عليكما، وعلى ما تضمران لي من مودة، وما تخلصان لي من حب. وما زلت أعتقد أنكما ستهونان علي من هذا الأمر ما أراه عسيرا.
قال «أندروكليس»: لقد كان خيل إلي أني فهمت عنك، ولكنك تردني إلى الغموض والحيرة. فلعلي أفهم عنك حين نخلو إلى صديقنا. وما أظن إلا أنه قد آن لنا أن نسعى إليه.
4
وأقبل الصديقان من ليلتهما على قصر الحاكم، فحاد بهما الحجاب عن طريق الحجرات الخاصة التي كانت تشهد ما يأخذان فيه مع صديقهما من سمر ولهو ومجون، وسلكوا بهما طريق بهو من أبهاء الاستقبال. فلما سألا عن ذلك قال الحجاب إن سيدهم لم يفرغ للسمر بعد، وما يظنون أنه سيفرغ له الليلة.
قال «أندروكليس»: فإنا ننتظره كما تعودنا أن نفعل حتى يفرغ لنا.
قال أحد الحجاب: بل هو ينتظركما. وقد تقدم إلينا في إدخالكما عليه إذ أقبلتما، وفي تعجلكما إن تأخر قدومكما على القصر.
قال «كلكراتيس»: وما ذاك؟
قال الحاجب: ما ندري! ولكن مولانا قد خلا منذ ساعة غير قصيرة إلى راهب شيخ من الرهبان ما أرى إلا أنكما تعرفانه! فقد رأيت مولانا يتلقاه مكبرا له، حفيا به في كل شيء من التبسط والإسماح، كأن له به عهدا قديما.
अज्ञात पृष्ठ