قالت أم السعد: فكيف صنعت خالتي أم أيوب وقد انهدم نصف دارها، وانكشف سائر ما فيها لعيون الناس؟
قالت جليلة: اسكتي بالله يا أختي فإنني أريد أن أنسى ... لم يبق لنا بعد خالتي أم أيوب جارة ولا جار ... وقد ذهبت أم أيوب تحمل على رأسها أنقاض دارها، وتجر وراءها سلسلة من الأحزان، فلم يبق منها إلا ذكرى!
قالت أم السعد: فأين ذهبت؟
قالت جليلة وقد برقت في عينيها دمعة: ذهبت إلى الله وهي تتمتم بدعاء على السلطان لم تسمعه أذنان؛ فإن علي بن أبي الجود لم يدعها لما نابها، وقد انهدم نصف دارها وانكشف سترها للناس، فجاء عامله ليجبي منها الضريبة السلطانية، ومن أين لها أن تدفع الضريبة وهي لا تملك ما تتبلغ به؟! ولكن الجابي لم يرفق بها وإنها لعجوز كجدته، فشد وثاقها وساقها إلى الحبس، فلم يطلقها إلا حين استوفى الضريبة ببيع ما بقي من الدار. وخرجت المسكينة من محبسها لترى نصف دارها في الطريق، ونصفها في يد مالك جديد ... واختار الله لها وسترها فانتقلت إلى الدار الآخرة ... وعلى شفتيها دعاء لم تسمعه أذنان!
مصت أم السعد شفتيها محزونة وهي تقول: مسكينة! اللهم احفظنا يا رب!
وسمع نقر على الباب، فخفت إليه جليلة لتفتحه فتستقبل زوجها عز الدين، وكان عز الدين هذا تاجرا يبيع طرائف الثياب وألوان القز، قد اتخذ متجره في سوق مرجوش على بعد قريب من داره، ولم يكن يدخر مالا، فلولا أنه لا ولد له ولا يعول إلا زوجه لضاق به العيش، على أنه لم ير قط إلا ضاحك السن وعلى وجهه مسحة الرضا والقناعة، ولكنه في هذا المساء قد عاد إلى داره عابسا مطبق الشفتين، فحيا وجلس بين زوجته وأختها، فلولا حق هذه الضيفة عليه لظل مطبق الشفتين في مجلسه لا ينبس بحرف.
قالت أم السعد وقد أنكرت هيئته تريد أن تحمله على الحديث: هنيئا لك الدار والجار يا عز الدين!
فابتسم عز الدين بعد عبوس وقال: أما الدار فليست جديدة علي، وأما الجار فلست أدري ما تعنين يا أم السعد، إلا أن يكون قصدك هذا المسجد الحرام!
وضحك، وضحكت زوجه، وابتسمت أم السعد وهي تقول: المسجد الحرام!
قال ولم يزل يضحك: نعم، إنه المسجد الحرام من دون مساجد المسلمين جميعا، فقد أسس على الظلم والغصب، ونهب أموال الناس، وترويع الآمنين، وماذا يكون الحرام إلا ذلك؟
अज्ञात पृष्ठ