وخرج الغوري من دارها تحت الليل كما دخل، وقد أيقن أن تحت لوائه منذ الليلة كل مماليك السلاطين الأربعة؛ لينالوا ثأرهم عند العادل طومان باي ...
ومضى جمادى ورجب وشعبان، والبذرة تستجمع لنفسها أسباب النماء والقوة في باطن الأرض، فما أهل هلال رمضان حتى نجم النبات واستطال، وامتدت فروعه إلى يمين وشمال، وحل الربيع - بعد شتاء عاصف - يجد الآمال ويوقظ الفتن النائمة، فلم يكن للسامرين في ليالي رمضان الضاحكة في نور الربيع ونواره إلا حديث واحد، يبدأ وينتهي عند اسم العادل طومان باي. واستطال الناس عهده وما استقر على عرشه ثلاثة أشهر ...
وأحس السلطان نذر الشر فراح يدبر أمره، ودعا الأمراء إليه فلم يجبه مجيب، فعول على خطة يخلص بها من الأمراء جميعا، ولم يوقظ فتنة، ولم يسفك دما.
العيد بعد غد، وسيجتمع الأمراء في المسجد يوم الفطر للصلاة، وهنالك ... هنالك يحيط بهم الجند فرادى، فيسوقونهم إلى حيث يلقون آخرتهم، ويخلص له العرش.
وجاءهم النبأ قبل أن تغرب شمس رمضان، فحشدوا الجند ووثبوا على القلعة قبل أن يأخذ السلطان أهبته!
وكما فر من قبل الظاهر قنصوه والأشرف جانبلاط، فر العادل طومان باي قبل أن يدركه هلال شوال وهو على العرش.
واجتمع الأمراء صبيحة يوم الفطر يداولون الرأي ويتساءلون بينهم: من ذا يلي العرش في هذه الفتنة إلا رجل عرك الدهر وخبر سياسة الدولة جيلا بعد جيل؟ من غير قنصوه الغوري؟
وتمنع الغوري وبكى وهو يقول: دعوني أقضي ما بقي من أيامي هادئا، لا تقدموا عنقي إلى الجلاد في مهرجان، فما هذا التاج الذي تضعونه على رأسي إلا غل تسوقون فيه رجلا منكم إلى الموت، بين عزف الموسيقى ونقر الدفوف.
قال الأمراء وقد نال منهم حديثه فأقبل منهم من كان معرضا، ومال إليه من كان مائلا عنه: ليس لها غيرك يا قنصوه، وكلنا جند من جندك!
وأقسموا له على الطاعة والولاء مخلصين.
अज्ञात पृष्ठ